لم يكد الرئيس سعد الحريري يخرج مطمئناً من استضافته الوزير جبران باسيل في لقاء الخمس ساعات، والذي أعقبه بيان متفائل صدر عن الحريري بطلب من باسيل، حتى أنكرت تطورات الجبل والهجوم على الوزيرة ريا الحسن وثلث باسيل المعطّل، التفاهم قبل صياح الديك.
قبل زيارته الجبل تمنّى الحريري على باسيل الأخذ في الاعتبار التوتر والاحتقان الذي رصدته التقارير الأمنية، لكنّ باسيل أصرّ على الزيارة، ما وَرّط الحكومة في أزمة الاحالة على المجلس العدلي التي انتهت باستعمال باسيل الثلث المعطّل، وبتجميع حكومة موازية في وزارة الخارجية، حيث بَدا الحريري مع الوزراء المنتظرين قدوم باسيل في السراي كأنهم ينتظرون رئيس الحكومة لبدء الجلسة.
هكذا طارت التفاهمات والضمانات التي أعطيت في القصر الجمهوري للرئيس الحريري بسحر ساحر، وعاد باسيل الى عادته القديمة بأسرع من المتوقع، ووضع الحريري في مأزق استحالة التوازن في العلاقة داخل التسوية.
ولن يكون قرار باسيل بالإصرار على زيارة طرابلس سوى استمرار لإحراج الحريري، وسط رفض فاعليات المدينة هذه الزيارة أسوة بالرفض الذي قوبلت فيه في الجبل، على الرغم من انّ الحريري تلقى وعداً من الرئيس ميشال عون بإلغاء زيارة طرابلس، نظراً لتوقيتها السيئ، ولاحتمال حصول رفض شعبي لها، بعدما شنّت مواقع طرابلسية على وسائل التواصل حملات مكثفة رفضاً للزيارة.
كيف ترد مصادر «التيار الوطني الحر» على هذا الكلام؟
تشدّد المصادر على أنّ العلاقة مع الرئيس سعد الحريري سليمة جداً، وتشير الى أنّ استعمال الثلث المعطل حق دستوري لمن يمتلك هذا الثلث، وتضيف أنّ المقصود ليس الرئيس الحريري، بل تحقيق العدالة من خلال إحالة ملف حادثة الجبل الى المجلس العدلي، فهناك وزير تعرّضَ لمحاولة اغتيال، وهناك كمين مسلح، وتعرّض للسلم الأهلي.
وأشارت المصادر الى أنّ تحديد موعد لجلسة حكومية في عهدة الرئيس الحريري، الذي وعد بتذليل العقبات، ونحن نثق بنيّته تنفيس الاحتقان الذي لن يكون إلّا من خلال محاسبة المرتكبين، والساعات المقبلة ستحدّد الاتجاه.
أما عن حادثة الجبل فتعود المصادر الى الوراء، وتقول إنّ ما حصل يثبت أنّ المصالحة شكلية، وأنّ باب الجبل يراد ان يكون مفتاحه في يد جنبلاط. وتكشف المصادر أنّ أحد أسباب الاحتقان قيام وزير المهجرين غسان عطالله بوَقف ملفات الترميم المنجز، وعدم التزام اللوائح التي يقدّمها الحزب «التقدمي الاشتراكي» للإخلاءات، وتخصيص مبلغ 40 مليار ليرة للتعويض على المسيحيين في الجبل.
وتشير الى أنّ رئيس الحزب لم يتقبّل أن يخسر ما أُعطي في التسعينات، وهي مكاسب مضخّمة، أمّا نحن فقد أصبحنا أقوياء الى درجة تَمكنّا فيها من استرداد حقوقنا، وهذا ما يزعج من كانوا يعتاشون على زعامة الوصاية.
في كل الاحوال، إنّ الاشتباك داخل التسوية والحكومة يشقّ طريقه. وبعيداً جداً عن الحدث ومن زاوية المراقب في الفضاء الافتراضي وفي مكتبه بالأشرفية، يقرأ فارس سعيد نتائج المواجهة الأخيرة ويستخلص استنتاجات تحتاج دقتها الى الاختبار: باسيل خسر وطنياً وربح مسيحياً، فهو نزع من منافسيه المسيحيين عدة الشغل، بظهوره بمظهر القوي وفق معادلة معاداة المسلمين. بعد جنبلاط سينتقل «حزب الله» الى الاجهاز على ما تبقى من أركان التسوية، الذين نجح باستفرادهم. وأصبح باسيل رأس حربة «حزب الله»، في الدعوة الى بدء تعديل النظام، والمرحلة المقبلة ستشهد على ذلك متى رأى أنّ التوقيت أصبح مناسباً.
يختم سعيد: أللهم اشهد أننا قد بلّغنا، فما يحصل اليوم هو نتيجة لِما قام به بالتواتر كلّ من دق إسفيناً في جسد 14 آذار.