امتناع وزير الخارجية جبران باسيل عن التصويت على بيان الجامعة العربية الذي يدين الأعمال العدائية والاستفزازية الايرانية هو أمر يمكن النظر اليه عربياً كـ «خروج عن الإجماع»، لكنه يفترض أن يكون بديهياً ما دام باسيل هو وزير خارجية «حزب الله»، أكثر من كونه وزير خارجية لبنان.
كوزير لخارجية «حزب الله» كان من البديهي جداً أن يمتنع عن التصويت حيال بيان لا يقتصر على ادانة الأعمال الايرانية بل يشمل أعمال المنظمة الموالية لإيران التي هي «حزب الله» وتحديداً من بوابة التدخل الأمني للأخير في البحرين.
واذا كان من البديهي أيضاً أن يعترض الأخصام السياسيون لباسيل و«حزب الله» على موقف وزير الخارجية المتعارض مع تفسير لبناني سابق لقاعدة الحياد الوطني على أنها حياد ملتزم بالاجماعات العربية، فإنّ بيان الجامعة يبقى لافتاً من حيث كلامه عن «حزب الله».
فهذا الحزب قلّما تجد اشارة له في أدبيات العمل المشترك، على كثرة تدخلاته التعبوية والأمنية في عدد من البلدان العربية، حيث سبق للعراق في عهد نوري المالكي أن اتهمه بالتدخل، بل بالتعاون مع تنظيم «القاعدة»، ولمصر في عهد حسني مبارك أن كشفت «خلية شهاب»، والبحرين ليست لوحدها طبعاً في اتهام «حزب الله» بين دول الخليج، وفي اليمن يشكل «حزب الله» طرفاً تتخطى علاقته بالحوثيين مجرد الحماسة والدعاء لهم، وطبعاً هناك تدخل الحزب في سوريا، وصولاً الى مأساة مضايا، ووضع اليد الذي يمارسه هذا الحزب على لبنان، واعتقاله وحلفاؤه لكرسي الرئاسة لإبقائه شاغراً منذ عام ونصف العام.
كل هذا قلّما التفت العمل العربي الرسمي المشترك اليه، حتى اذا انتقلنا الى قرارات الأمم المتحدة سنجدها سكتت عن الحزب بعد الاشارة اليه من دون ذكره بالاسم في القرار 1559. يتمتع هذا الحزب بشيء من «الحصانة الدولية الفعلية» على ما يبدو، ولم يخرقها إلا البيان العربي الأخير.
مشكلة باسيل الحقيقية ليست خروجه عن الإجماع العربي. ليست أنه وزير خارجية «حزب الله». مشكلته أن امتناعه عن التصويت هو شكل من أشكال الخروج عن الموضوع. فالموضوع، في العلاقات بين دول الاقليم، ليس ما هو موقف لبنان من الأعمال الايرانية العدائية تجاه البلدان العربية، بل كيف يكفّ لبنان يد فئة منه وفيه، تتبع لإيران، عن الاعتداء على بلدان عربية أخرى، وفي حال سوريا اعتداء على مجتمع بكامله؟
العمل العربي المشترك تقدّم خطوة في اتجاه طرح السؤال. الامتناع «اللبناني» يستوجب التركيز على هذا السؤال أكثر.
باسيل، وتياره، والحزب، ليسوا محايدين في هذه القضية. كذلك الحكومة اللبنانية. هناك سؤال، باشرت الجامعة العربية في طرحه لأول مرة، بعد أعوام طويلة على السابع من أيار، و«خلية شهاب»، والتدخل في العراق ثم في سوريا، وجديد وقديم التدخل في ايران.
من مصلحة لبنان أن يمنع تسرّب الإحتراب المذهبي اليه، ومن هذا المنطلق ليس من مصلحته ان ينفعل بشكل خطير مع الصراع الاقليمي الممذّهب. في الوقت نفسه لبنان ليس بلداً يسأل نفسه اذا كان سيحايد أم سينحاز، ما دام أكبر حزب مسلح فيه يمارس أعمالاً ضد مجتمعات وحكومات عربية متعددة.