يعتقد فريق من السياسيين أنّ ما قدّمه رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل من صيَغ وأفكار حول قانون الانتخاب العتيد، زاد في تعقيد أزمة الاستحقاق النيابي، وكذلك زاد من الإبهام حول النظامين الأكثري والنسبي وما بينهما.
سياسيون متعاطفون مع باسيل يقولون إنّ باسيل سواءٌ أصابَ في ما طرَح أو أخطأ، فإنه يسجَّل له أنّه يسعى إلى إيجاد قانون انتخاب جديد، فيما الآخرون يتفرّجون، ولذلك تنطبق عليه مقولة “من اجتهَد وأخطأ له أجر”.
لكنّ هؤلاء المتعاطفين يسألون في المقابل: “هل إنّ طرح هذا النوع من مشاريع القوانين الانتخابية هو للاتفاق عليها؟ أم أنّ الغاية منها تقطيع الوقت في انتظار توقيتٍ ما لولادة قانون الانتخاب العتيد، لم يحِن بعد، وعندما يحين يمكن الحُكم على القانون الانتخابي الحقيقي؟”.
ويقول هؤلاء إنّ ما يطرحه باسيل يُحدث عصفاً سياسياً ويطلق نقاشاً وردود فِعل، سواء كانت سلبية أم إيجابية، لا فارق، ولكنّه في الوقت نفسه يدلّ إلى أنّ البحث في قانون الانتخاب ما زال جارياً، ولكن في حسابات “التقريش” من الطبيعي أن تكون الصيغ والأفكار المطروحة موضع ردود فعل سلبية هنا وإيجابية هناك تبعاً لحسابات كلّ فريق سياسي إزاءَها.
ولكنّ بعض السياسيين يستغربون كيف أنّ باسيل يطرح صيغاً لقوانين انتخابية تُعاكس الأفكار والصيغ التي يطرحها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ويدافع عنها أمام زوّاره يومياً، من مِثل اعتماد النظام النسبي الكامل في أيّ قانون انتخاب، سواء عبر جعلِ لبنان انتخابياً دائرة واحدة أو تقسيمه إلى خمسة دوائر كبرى هي المحافظات الخمس التقليدية التاريخية، أو عبر مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي يقسم لبنان 13 دائرة انتخابية.
لكنّ السياسيين المتعاطفين مع باسيل يقولون إنّه بطروحاته الانتخابية إنّما يترك لعون “هوامش ذكية” يستطيع أن يتحرّك بها من موقعه كرئيس للجمهورية من خلاله اقتداره لاحقاً في الدخول على خط الاستحقاق النيابي فلا يكون جزءاً من سلبيات طروحاته (أي طروحات باسيل).
على أنّ كلّ ما يجري لا يشي حتى الآن بأنّ أوان الاتّفاق على قانون الانتخاب قد حان، ففي الأفق مؤشرات إلى تباين حول الاستحقاق النيابي قد بدأ بين “التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية” قانوناً وترشيحاً واقتراحاً، إلى تبايُن آخر بينهما وبين أفرقاء آخرين.
فيما يتّجه رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط إلى “زحف أخضر” انطلاقاً من المختارة سيدشّنه الأحد المقبل في ذكرى رحيل والده كمال جنبلاط، ليؤكّد أنّه بما يمثّل يشكّل رقماً صعباً في المعادلة اللبنانية لا يمكن شطبُه، وإن كان البعض يرى أنّ على جنبلاط أن يدرك أنّه “لا يستطيع قياس معاييره على حجم وطن”.
غير أنّ قريبين من جنبلاط يقولون إنّ الرجل يرفض التهميش والإلغاء من أيّ جهة أتى، وأنه أبلغَ هذا الموقف إلى جميع المراجع، ويسعى إلى إقامة علاقة ممتازة مع “التيار الوطني الحر”، وذلك من منطلق الانفتاح والتعاطي الإيجابي مع جميع القوى السياسية، خصوصاً أنّ هناك موقعاً مشتركاً هو الجبل “الذي يعنيهم ويعنينا، وبالتالي فإنّ المهم هو الحفاظ على أهمّ نقطة بالنسبة إلينا، وهي المصالحة التي تمَّت في الجبل وتعزيزُها وترسيخها أكثر”.
ويضيف هؤلاء: “نسعى دائماً إلى أن تكون العلاقة ممتازة مع “التيار الوطني الحر”، لكنّ العونيين ينظرون إلى جنبلاط من موقع صاحب الحجم المتورّم وأنّه يأخذ من جيبهم، خصوصاً في ما يعني التمثيلَ المسيحي، علماً أنه لم يعُد في الموقع الذي يرجّح الكفّة في هذا الاتجاه أو ذاك”.
إلّا أنّ في اعتقاد سياسيين أنّ طبخة قانون الانتخاب العتيد لم يحِن أوانها بعد، وحتى ذلك الحين فإنّ المطلوب إعداد صيَغ هي عبارة عن “طبخات بحص” يُملأ بها الوقت الضائع، على وقعِ دعوات الغرب الديبلوماسة إلى إجراء الانتخابات في مواعيدها، مع عدم ممانعة في تأجيلها إذا كان المبرّر تقنياً فقط ولمدّة زمنية محدّدة وغير طويلة.
ويقول هؤلاء السياسيون إنّ أوان الطبخة سيَظهر من خلال مبادرة سيتّخذها رئيس الحكومة سعد الحريري في وقتٍ ليس ببعيد تُخرج الاستحقاق النيابي من المأزق، تماماً كمبادرته التي أخرَجت الاستحقاق الرئاسي من مأزقه بتبنّي ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية وانتخابه في 31 تشرين الأول الماضي.
ويجزم هؤلاء بأنّ الحريري سيبادر إلى القبول بقانون انتخاب يعتمد النسبية الكاملة على أساس لبنان 5 إلى 7 دوائر كبرى، أو على أساس لبنان 15 دائرة، أي مشروع حكومة ميقاتي معدَّلاً بعض الشيء، ولكنّ هذه المبادرة ستفرض تمديداً جديداً لولاية مجلس النواب الحالي لمدّة أقصاها سنة وأدناها حتى الخريف المقبل، وذلك في حال اتّفق على قانون الانتخاب العتيد خلال الفترة المتبقّية من ولاية المجلس التي تنتهي في 21 حزيران المقبل.