منذ تشكيل الحكومة الجديدة تقصّد رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الإنكفاء عن الإعلام، لتشكل زيارته إلى بكركي أول نشاط معلن للوزير السابق. غير أن انكفاءه الإعلامي لا يسري على السياسة، فما بين ميرنا الشالوحي والبياضة يمضي باسيل نهاراته، يعيد تموضعه سياسياً ويرتب أمور حزبه الداخلية.
ينصب تركيزه في الفترة الراهنة على أوضاع “التيار الوطني” حيث سيخوض ورشة كبيرة تدخل ضمنها إعادة النظر بالتعيينات الداخلية، تخصيص ورش تثقيفية للكوادر، وأمور أخرى لها علاقة بالتعبئة الداخلية. ليست المشاكل، التي بات يشهدها “التيار” لا سيما في الآونة الأخيرة، قليلة، حيث صار مهدداً بالإنقسام، ما يستوجب التفرّغ والمعالجة.
على المستوى الحكومي سيتابع باسيل من بعيد مع الوزراء للتأكد من مواصلة العمل بالمشاريع الرئيسية في الطاقة والخارجية. وعلى مستوى العمل النيابي يعمل على مشروع تفعيل آلية عمل نوابه عن طريق إلزام كل نائب من التكتل بمتابعة ملف أو ملفين، فيصبح كل نائب متخصصاً بمواضيع ملفاته خصوصاً النواب الجدد.
عندما أنهى باسيل مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة كانت علاقاته السياسية انقطعت، أو لنقل ساءت مع غالبية القوى السياسية التي صارت تتهمه بالهيمنة والسيطرة في تعاطيه، لكن ابتعاده عن المشهد مباشرة ربما يساهم في إعادة ترميم العلاقة مع البعض، فباسيل الذي لطالما كانت علاقته باردة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري صارت على أفضل حال اليوم، ولم يعد بعيداً من “تيار المردة”، أما العلاقة مع “القوات” فها هي تعود تدريجياً. تتحدث مصادر مقربة أنّ التواصل بين جعجع وباسيل قائم لكن ليس من خلال النائب ابراهيم كنعان والوزير السابق ملحم رياشي هذه المرة، بل هناك قنوات وجهات أخرى تعمل على الخط بين الطرفين اللذين تجمعهما في الفترة الراهنة مصلحة مشتركة بتخفيف التوتر.
هي مرحلة جديدة يتحضّر لخوضها باسيل معيداً حساباته السياسية والشعبية بعد النكبات التي تعرض لها، ومن هذا الجانب يمكن قراءة الزيارة التي قام بها إلى بكركي والتي جاءت لافتة من عدة أوجه شكلاً ومضموناً: كونها أول زيارة لباسيل كرئيس تيار سياسي بعد الحكومة، وأنها تأتي عشية مغادرة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى الفاتيكان.
والزيارة التي استغرقت حوالى الساعة تقريباً وتخللتها مأدبة عشاء “كانت أقرب إلى خلوة وليست اجتماعاً في القاعة الكبرى”. وقالت مصادر مطلعة إنّ البحث تركّز على مواضيع “سيطرت عليها الهموم الكيانية الوجودية الناتجة عن النقاط التالية”:
– دخول لبنان سنة الاحتفال على انقضاء المئوية الأولى لتأسيس لبنان الكبير، والذي كان للبطريركية المارونية الدور الكبير بتأسيسه. إنطلق الحديث بين البطريرك وضيفه “من الدور التأسيسي للبطريركية إلى الدور المنتظر منها في عملية الحفاظ على الدولة ووحدتها، وعلى دور الموارنة وأهمية تثبتهم بأرضهم ودورهم في الانفتاح وفي أن يكونوا عنصر تفاعل إيجابي في لبنان والمحيط العربي”. وهذه نقطة أساسية أثارها باسيل الذي “أبدى استعداده للتجاوب والتعاون مع كل ما يجمع الموارنة والمسيحيين في لبنان أي مع أي خطاب جامع. ومن هنا تمّ التوقف ملياً عند المخاطر المحتملة على لبنان نتيجة ما يسمى “صفقة القرن” وانعكاساتها، لناحية التخلي عن حق العودة للشعب الفلسطيني مما يحتم تعريض لبنان لضغوط توطين اللاجئين على أرضه، وهذه مسألة كيانية خطيرة بالنسبة إلى بلد كلبنان”. كما تم البحث بما “يتعرض له لبنان من ضغوط مالية تترافق مع أزمة اقتصادية لها أسبابها الداخلية، بالإضافة إلى الضغط الخارجي الذي جاء ليزيد من حجم الأزمة بحيث أصبح الوضع أمام ما يشبه الحصار المالي على لبنان”.
تقول المصادر: “كان هناك اتفاق على أنّ معالجة الأزمة النقدية يجب أن تكون أولوية الأولويات”، وفي المقابل تمت مقاربة الملفات المتعلقة بصفقة القرن والحكومة من باب المخاطر الوجودية على لبنان، وما يمكن للبطريرك أن يثيره مع قداسة البابا صاحب الصوت المسموع في المحافل الدولية وكيف سنوظف كل ذلك في خدمة لبنان”.