للوهلة الأولى، توحي جولات الوزير جبران باسيل في المناطق اللبنانية بأنه وزير داخلية لا خارجية. التدقيق أكثر يوحي وكأن باسيل الذي يستصعب المرور في قرية لا كنيسة فيها مطران أكثر منه وزير خارجية. كان لافتاً في زيارته للضنية، أول من أمس، دخوله القرى والبلدات من بوابات كنائسها: في بلدة عيمار كان اللقاء في كنيسة مار يوحنا المعمدان، وفي بلدة بحويتا في كنيسة مار جرجس، وفي كهف الملول صلى، للمرة الثالثة خلال ثلاث ساعات، في كنيسة السيدة قبل أن ينتقل إلى مزار القديس شربل في طريقه إلى كنيسة مار جرجس في زغرتغرين.
إلا أن الأهم من الشكليات العونيّة والغزل الباسيليّ غير المسبوق بالنائب سليمان فرنجية يكمن في مضمون خطابات باسيل. فالرجل، المتهم من زملائه في التيار الوطني الحر وبعض الحلفاء بأنه العقل المدبر لـ»الارتماء» العوني في حضن المستقبل وأبرز المشجعين على إخفاء «الإبراء المستحيل» وتقديم تنازلات جدية للفوز برئاسة الجمهورية، حدد في الضنية، بشكل واضح وصريح، ستة عناوين لن يسع التيار الوطني الحر التراجع عنها ــــ مجدداً ــــ بسهولة: أولاً، لن تكون هناك حكومة لا يشارك التيار الوطني الحر فيها. ثانياً، لن يشارك التيار في حكومة لا تجري تعيينات أمنية. ثالثاً، لن تحصل تعيينات أمنية ليس للتيار كلمة فيها. رابعاً، لن يكون هناك تشريع من دون وضع قانون إعطاء الجنسية لمن هم من أصل لبناني على جدول الأعمال. خامساً، لن تجرى انتخابات نيابية من دون إقرار قانون انتخابي يصحح التمثيل المسيحي. سادساً، ممنوع أن يحصل تيار المستقبل على رئاسة الحكومة وقيادة قوى الأمن الداخلي، ما دام التيار الوطني الحر يُمنع من أن يحصل على رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش.
أُحبط باسيل
وثبت لديه استحالة التفاهم مع تيار المستقبل على صيغة تشاركية للحكم
لا شك في أن باسيل، قائد مشروع الانفتاح العونيّ على تيار المستقبل، ما كان ليقول كل ما قاله لو لم تحسم الرابية أمرها: التمديد لقائد الجيش جان قهوجي سيؤدي إلى استقالة الوزراء العونيين. والاستقالة ستكون مقدمة لتطيير الحكومة. وتطيير الحكومة سيكون مناسبة لإعادة تكوين السلطة على نحو ينهي المحاصصة غير العادلة التي أرساها اتفاق الطائف. وإعادة تكوين السلطة ستبدأ بإقرار قانون انتخابي جديد يضع حداً لحصول تيار المستقبل على نحو نصف المقاعد النيابية المسيحية قبل إجراء الانتخابات، وسينتهي بوضع أسس جديدة للتقاسم المذهبي للسلطة يقضي بتسمية الحزب الأساسي في كل طائفة لمن يشغلون المواقع الإدارية العائدة إلى هذه الطائفة. لم يكن باسيل منفعلاً في زيارته الأخيرة للضنية، وهو ليس ممن يرتجلون الأفكار. ولا شك في أن خطابه في أحد أبرز معاقل تيار المستقبل الانتخابية أكثر من جرس إنذار ثان، بعد تصريح العماد ميشال عون قبل أسبوعين. إنها بداية انعطاف عوني كبير في اتجاه المؤتمر التأسيسي الجديد، بعدما أُحبط باسيل نفسه، وثبتت لديه استحالة التفاهم مع تيار المستقبل على صيغة تشاركية جدية للحكم. وبعيداً عن رأي الحلفاء وموقفهم، هناك بين زوار الرابية الدائمين يوم السبت وأيام أخرى من كانوا يصلّون لمثل هذا اليوم. أما النواب العونيون، فغالبيتهم تؤيد التوجه الباسيلي المستجد، لأن رفض تداعيات الطائف السياسية أساس الزعامة العونية شعبياً. حتى باسيل سيغدو محبوباً جداً حين يسعى إلى استخدام سيف الجنرال في تصحيح التمثيل السياسي، بدل استخدامه في قطع قوالب الكاتو.