زار وزير الخارجية جبران باسيل أمس الأول يوم الأحد، «إمارة الشوف» متفقّداً «رعيّته البرتقالية» على وقع ما شابَ العلاقات بين المختارة والرابية نتيجة المواقف التي أطلقها باسيل قبل أسبوعين في «إمارة عاليه». فكانت مناسبة لاعتماد خطابٍ هادئٍ رحّب به جنبلاط ورفاقُه بدل النفور الذي أعقب الزيارةَ الأولى. وعليه أين هو موقعُ المصالحة ما بين الزيارتين؟
بالتأكيد لم تتناول أيُّ وسيلة إعلامية زيارة باسيل للشوف الأحد الماضي بهذا الشكل والمضمون، لكنّ هناك مَن أراد هذه المقاربة رغبةً منه بتوجيه إشارة واضحة الى «الدور الكبير» الذي يلعبه باسيل على كل المستويات.
فهو تابع ويتابع كل الملفات الداخلية منذ بداية العهد من قانون الإنتخاب الى التعيينات الإدارية والقضائية والدبلوماسية والعسكرية والأمنية ومعها سلسة الضرائب، عدا عن الرعاية الدائمة لكلّ ما جرى ويُجرى في وزارة الطاقة وملفات السدود والبواخر المُنتجة للطاقة، إضافةً الى مهماته وزيراً للخارجية.
ولا ينسى البعضُ تأجيلَ أو تجميدَ البحث في أعمالِ لجانٍ عدة وأبرزها تلك التي كُلِّفت البحث في قانون الإنتخاب في انتظار عودته من جولة خارجية، وخصوصاً في الفترة التي رافقت إقراره قبل أيام على 21 حزيران الماضي تاريخ نهاية ولاية المجلس الممدّدة مرتين وقبل التمديد له للمرة الثالثة.
وبعيداً من هذا المنطق التشبيهي والتصويري الذي يعطي انطباعاً غالباً على تحرّكات «وليّ العهد» وهو الذي لا يُردّ له طلب ولا يُرفض له ثمن ما لم تُؤخذ القضايا غلابة. فقد توقفت المراجعُ السياسية أمام اللهجة الهادئة التي استخدمها باسيل في جولته الشوفية لهدفٍ واضح كان مرسوماً لها قبل أن تبدأ.
وذلك لتطويق الذيول والتردّدات السلبية التي خلّفتها مواقفُه العالية النبرة في الجولة السابقة التي قادته الى قضاء عاليه قبل أسبوعين مع أخذِها في الاعتبار كل ما شهدته الفترةُ الفاصلة بين الجولتين من معالجاتٍ ومبادراتٍ لعبورها بأقل الملاحظات والخسائر التي خلّفتها الأولى، وخصوصاً على مستوى المصالحة المسيحية في مرحلةٍ هي الأدق، فالمنطقةُ تأثرت كثيراً بكل ما رافق زيارة عاليه السابقة.
وعلى هذه الخلفيات لم تُفاجَأ الدوائرُ المراقبة بلهجة باسيل الهادئة التي اتّسمت بها مواقفُه من الدامور الى دير القمر والمحطات الأخرى، فاعتبرت أنّ ما بُذل من جهود على أكثر من مستوى لتفويت الفرصة على رغبة «طابور خامس» في استغلال أجواء التوتر بين المسيحيين الموالين لـ»التيار الوطني الحر» وبين الدروز، وخصوصاً أنّ المنطقة شهدت توتّراً بقي مكتوماً ولم يسمح في آب الماضي لأن يكون لرئيس الجمهورية الإستقبال الذي كان يلقاه أسلافه لدى تمضيتهم بضعة أسابيع في قصر بيت الدين المقرّ الصيفي للرئاسة.
ونتيجةً لهذه الجهود أحصت مراجعُ معنيّة شاركت في إتصالاتٍ سبقت الزيارة بعضَ المواقف الإيجابية، فكانت تغريدةُ جنبلاط التي واكبت الزيارة كافيةً لعبور الجولة بلا استفزاز، فاعتبرها جنبلاط «مهمة لتثبيت الحوار والانفتاح والتأكيد على المصالحة» لافتاً أنّ «قانون النسبية يعطي كل ذي حق حقّه بعيداً من الاستئثار». وتلاقت هذه التغريدة مع مشاركة النائب أكرم شهيب في محطات أخرى لباسيل.
وفي المقابل أحصت المراجع عينها ظهوراً هادئاً لباسيل خالياً من أيّ تحدٍّ أو استفزاز، لا بل فهو رحّب بتغريدة جنبلاط وتحدّث عن «المصالحة – الخطّ الأحمر التي لن يمسَّها أحد». بعدما تحدث عن فقدانها في عاليه وعدم اكتمالها طالما أنها ليست شاملة. قبل أن يركّز على القول إنّ «شعارَنا لبنان القوي، ولا لبنان قوي بلا جبل قوي ولا جبل قوي بلا مصارحة وشراكة وتساوٍ.. ونحن مع عيش واحد أبعد بكثير من التعايش».
على هذه الخلفيات بنت المراجع توقعاتها بجولة هادئة قبل حصولها إذ إنها اطّلعت على أهداف زيارة وفد شوفي يمثل باسيل الى كليمنصو مطلع الأسبوع الماضي ولقائه تيمور جنبلاط والنائب وائل ابو فاعور ليعبّروا لزعيم المختارة عن احترامهم وحرصهم على أن لا يتكرّر ما حصل خلال زيارة باسيل لعاليه، وليوضحوا بعض المواقف من المصالحة وأن لا نية بالمَسّ بما حققته بمقدار حرصهم على تعزيزها وحمايتها.
ولم يكتفِ أصحاب الإقتراح بتنظيم هذه الزيارة، فقد تولّى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم جانباً آخر من مهمة ترطيب الأجواء. فالتقى في الأيام القليلة المنصرمة بعد إطلاع رئيس الجمهورية على ما يقوم به، مسؤولين في «التيار» و»الإشتراكي» منبِّها من مخاطر ما يمسّ التركيبة القائمة في الجبل، ولافتاً الى حرص عون وإقتناعه بأنّ الوضع في الجبل لا يحتمل ما يؤدّي الى أيِّ تشنّج بين أبنائه لأنّ هذه رغبته التي تترجِم رغبة المسيحيين والدروز في آن وهو أمر لا يمكن تجاوزُه.
وعليه فقد أكّدت مصادر مواكبة أنّ المصالحة في الجبل مسارٌ وليست محطةً محدّدة، فيومَ وضعت اللبنة الأولى «للمصالحة والمصارحة» عام 1992 في قصر الأمير امين في خلال مؤتمر المهجرين برعاية وحضور رئيس الكتائب وزير الإتصالات في تلك الفترة الراحل جورج سعادة وجنبلاط لم يكن اللاعبون اليوم على أرض الشوف يتعاطون السياسة بعد، وعندما تلاها توقيع الوثيقة التاريخية بين جنبلاط والرئيس أمين الجميل في المختارة عام 2000 كان بعضهم طلاباً على مقاعد الدراسة يتظاهرون بين وقت وآخر.
وقرأت مراجع سياسية بداياتٍ غير مكتملة للتفاهمات في الشوف في ضوء الفرز المبدئي بين الحلفاء المحتمَلين، فما شهدته دير القمر قبل يوم على زيارة باسيل يؤشر الى إقتراب الجنبلاطيّين من «القوات» و«المستقبل» بخطوات تتقدّم على «التيار الوطني الحر» من دون إغفال وجود الكتائب المحتمَل في هذا التفاهم بالنسبة الى قضاء عاليه، فأرضيّة المعركة الإنتخابية في القضاءَين واحدة إنتظاراً للجديد، فأبواب المفاجآت مفتوحة على كثير من الخيارات التي قد تقلب الطاولات بين ليلة وضحاها.