يدخل الوزير جبران باسيل معركة رئاسة الجمهورية من بابها العريض، فيفرض نفسه مرشحاً حتى لو لم يعلن ترشيحه رسمياً، مكتفياً بتسمية رئيس الجمهورية ميشال عون له. منذ أن أصبح ناطقاً باسم العهد، وهو في قلب الحدث السياسي من خلال توليه المفاوضات الحكومية، وإصراره على قطف وزارتين أساسيتين، الطاقة والخارجية، فيتمسك بهما نظراً إلى موقعهما الحساس ودورهما الإقليمي والدولي.
الأكيد أن لانتخابات الرئاسة المقبلة ظروفها وحيثياتها وتقاطعات إقليمية ودولية حولها، لكن باسيل قبل وبعد أن سمّاه عون خليفة له، بدأ يستخدم كل الإمكانات والأدوات المتاحة وغير المتاحة له. صارت وظيفة العهد أن يكون معبراً للعهد المقبل، لا عهداً قائماً بذاته، وتحول باسيل لولبه، بحركة دائمة لا تهدأ. يمسك بكل ملفات العهد والتيار الوطني ونوابه ووزرائه. يجول في لبنان والخارج، ويلاحق السفراء ويريد الإمساك بالإدارات والأمن والعسكر، وتهيئة عدّته الأمنية مبكراً لمعركة الرئاسة. وقد فرض إيقاعه فيها، حتى الآن على الأقل، في الحرس الجمهوري ومرافقي رئيس الجمهورية، قبل أن يقرر ما سيفعله في أجهزة أمنية أخرى، يريد أن تكون كما في زمن كميل شمعون أو فؤاد شهاب، ذراع الرئيس الأمنية والسياسية. تثير حركة باسيل الكثير من التعليقات، وهذا في حد ذاته مطلوب، ولا يزعجه، لأنه حوّل حركته محور استقطاب إعلامي وسياسي، وعنصراً خبرياً يومياً بارزاً، يحكى عنه سلباً أو إيجاباً، لكنه يبقى في قلب الحدث.
الجديد في ما يفعله اليوم، ويتعلق بالموازنة، يتعدى دوره كوزير مفوض من رئيس الجمهورية، ليضع نفسه أمام المراقبين الغربيين له، مالكاً لصفات «رجل الدولة»، يمسك بكل ملفاتها. فحركته الداخلية وجولاته في القرى وإمساكه برقاب النواب والوزراء، لا يقدم ولا يؤخر في معركة الرئاسة، لأنه يعرف أن الرأي العام يميل حيث تميل السلطة، ولأنه يملك اليوم ثقلاً نيابياً ووزارياً يجعله متحكماً بكل مفاصل التركيبة في الحزب وفي العهد معاً. المهم اليوم، الرقابة الخارجية عليه كمرشح رئاسي، يعرف ملفاته ويشكل فريق عمله ويوكل إليهم مهمات المحاسبة والمتابعة، يملك كل أدوات السلطة، السياسية والأمنية والاقتصادية.
يقدم باسيل اليوم نفسه مرشحاً أمام مراكز القرار الدولي، من زوايا داخلية عدة، وخارجية، أولاها قطاع النفط والغاز. فهو يمتلك الإشراف على عدة الملف النفطي من زاويتين، الخارجية ودورها الدبلوماسي، واللجان المختصة التقنية التي يمكن أن تفاوض إسرائيل برعاية الأمم المتحدة، بسبب وجود وزارة الخارجية والجيش والطاقة فيها، وكلها محسوبة عليه، إضافة الى حيثية وزارة الطاقة المعنية بملف النفط كطرف أساسي معني بهذا الملف خارج نطاق التفاوض مع إسرائيل. وهو بإصراره على تولي وزارة الطاقة وتعيين مساعدين له وزيرين لمرتين متتاليتين، يمسك بأكثر ملف «يتقنه غيباً» منذ سنوات، بخلاف ملفات أخرى يحصرها بالجملة بين يديه.
مالياً، يقدم نفسه مرشحاً خبيراً بالوضع المالي والاقتصادي، ومشاركاً في وضع رؤية اقتصادية للبنان. فبعد الإحاطة الشاملة بوضعية حاكم مصرف لبنان وكل ما يدور حولها من ترتيبات مستقبلية، يفتح ملف الموازنة، وهي عنصر أساسي في رقابة دولية على لبنان انطلاقاً من مؤتمر سيدر، وتهتم بها العواصم المعنية، وترصد شفافيتها وتقليص الهدر فيها وضمان تلازمها مع التقشف المطلوب دولياً. والدخول على خط الموازنة لا يتعلق بتقليل عجز أو تخفيض مصاريف، حرصاً على المال العام، بل هو استكمال لخريطة الطريق التي يضعها على طريق الإشراف على كل مفاصل الوضع الاقتصادي. وهذا ما يعطيه إطلالة دولية وإقليمية، يريد تكريسها عبر مؤتمرات دولية، تسمح له بإضافة حيثية اقتصادية على سيرته الذاتية كمرشح رئاسي.
كثيرة هي الملفات الداخلية التي يريد أن يتحكم بها، وسيكون لقانون الانتخاب محطة مهمة معه كأحد العناوين المحلية. لكن طريق الرئاسة تمر عبر الاختبارات الدولية، وحالياً، يشكل الاقتصاد والمال عصباً أساسياً في المنطقة، حيث يتقدم هذا الجانب على ما عداه في ما يدور من مفاوضات سياسية واقتصادية. وهو هنا يستفيد من انسحاب رئيس الحكومة سعد الحريري، اقتصادياً ومالياً، وطبعاً سياسياً، من أي مواجهة مباشرة معه، والتخلي له عن مشروع رفيق الحريري الاقتصادي والمالي الذي كان عصباً أساسياً بنى الحريري الأب والابن حيثيتهما عليه لسنوات. في المقابل، مرشحان رئاسيان أساسيان، هما: رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، يخلّصانه من عبء أي مواجهة مبكرة معه، فيخليان له الساحة الداخلية، كل واحد منهما لحسابات مختلفة عن الآخر. لا يمكن فهم تراجع دور الأخيرين في مجلس الوزراء وخارجه عن الحضور في كل عناوين الملفات الداخلية والخارجية والاقتصادية والمالية والأمنية. ينكفئان، متفرجين من دون أن يكون لهما حضور وازن في السياسة الداخلية مهما أعطيا من تبريرات، ولا سيما ما تقوله القوات عن تأثير دورها في مجريات الحدث المحلي. وباسيل يتقدم عليهما مستثمراً دوره وعلاقاته في ملفات تتقاطع مع أدوار خارجية، فيعزز موقعه السياسي، والأمني، مضيفاً إليهما اليوم ملفي النفط والمال والاقتصاد.