Site icon IMLebanon

باسيل خارج الهامش المسموح

 

من وجهة النظر الرسمية والقانونية، لم يتجاوز وزير الخارجية جبران باسيل السياسة المعلنة للدولة اللبنانية في شأن العلاقات مع إسرائيل والاعتراف بوجودها وحقها في الأمن.

شارك لبنان في المفاوضات العربية– الإسرائيلية التي بدأت في أعقاب حرب الخليج في 1991 وفق رسالة الضمانات الأميركية التي تحيل إلى قرارات الشرعية الدولية، وهذه لا تدعو إلى تدمير إسرائيل كما هو معلوم، ولا إلى جعل الصراع معها أيديولوجياً ولا دينياً، بل سياسياً كمدخل إلى تسويته. وجلس المفاوضون اللبنانيون والاسرائيليون وجهاً لوجه عشرات المرات في مدريد ثم في مقر وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن.

أما العاصفة التي أثارها باسيل نتيجةَ الجزء المنشور من مقابلة تلفزيونية ستُبث قريباً، فتعود إلى أسباب لا صلة بينها وبين الموقف القانوني للدولة اللبنانية حيال المفاوضات مع إسرائيل. جدير بالذكر أن لقاء دورياً يعقد بين ضباط لبنانيين وبين آخرين من جيش الاحتلال الإسرائيلي بإشراف الأمم المتحدة للبحث في خروقات القرار 1701 وتطبيقه. بهذا المعنى، ينفذ لبنان التزاماته بخصوص القرار المذكور، بغض النظر عن درجة الرضا أو السخط في شأن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للقرار والمتواصلة يومياً على شكل تحليق للطيران المعادي في الأجواء اللبنانية أو دخول زوارق حربية إسرائيلية إلى المياه الإقليمية.

المشكلة إذاً في مكان آخر. ولعل من المفيد التذكير أن المفاوضات اللبنانية– الإسرائيلية في لبنان جرت بغطاء من الرئيس السوري حافظ الأسد الذي كان معنياً بالتسوية ربما بمقدار يزيد عما كان لبنان معنياً بها لأسباب تتعلق بتصور الأسد حينذاك لموقع سورية الإقليمي والدور الذي تخيله لنظامه ضمن «الشرق الأوسط الجديد». كان انخراط الأسد في المفاوضات بل رهانه في مرحلة ما عليها لتكريسه كرجل المنطقة القوي، يلجم انفلات المزايدات اللفظية من هنا وهناك. لم يكن من المقبول أن يشوش أحد على «وحدة المسار والمصير» بين سورية ولبنان وهي الوحدة التي يحدد إيقاعها وزخمها حافظ الأسد، ولا أحد سواه.

وللتذكير أيضاً أن مجزرة ارتكبت تحت جسر مطار بيروت سنة 1993 ذهب ضحيتها عناصر من «حزب الله» كانوا يحتجون على توقيع اتفاق أوسلو. وعلى الرغم من محاولات تحميل رئيس الوزراء رفيق الحريري يومها مسؤولية إطلاق النار على المتظاهرين، إلا أن الجميع يعرف من كان يمسك بمفاتيح الأمن في تلك المنطقة وفي تلك اللحظة. كان المزاح والمزايدة ممنوعين ما دام «أسد دمشق» قد قرر أن يفاوض ويسالم.

يتحدث باسيل اليوم من دون غطاء سوري فوقه. وفي لحظة انتصارية تشهد فيها الحدود اللبنانية الجنوبية زيارات دورية من «مقاومين» عراقيين وسوريين يتعهدون القضاء على إسرائيل انطلاقاً من لبنان الذي يجب أن يظل على استعداد دائم لتنفيذ واجباته ضمن الاستراتيجية الإيرانية العامة التي جبّت سابقتها السورية. وتحتوي الاستراتيجية هذه على هامش عريض من الاستعراض والتنطح اللفظيين، وقع كلام باسيل خارجه، خصوصاً إذا قيس بالمحاضرة التي تلاها على وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الذي خصص للقدس قبل أيام.

محاولة باسيل جمع الموقف اللبناني الذي اعتمد في التسعينات وصولاً إلى موافقته على مبادرة السلام العربية في قمة بيروت 2002، بمناخ الاستعداد لتدمير إسرائيل من منصات التلفزيون، جعلته يصطدم بجمهوري الممانعة واللاممانعة معاً. الأرجح انه لن يحاسب على كلامه ما دامت لم تظهر بعد الملامح الكاملة للوصاية المقبلة على لبنان.