سلكَت إنتخابات «التيار الوطني الحرّ» طريقَ التوافق القسري بعد تدخّل العماد ميشال عون الذي نزل ساحةَ المعركة فارضاً وزيرَ الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل رئيساً مستقبَلياً، ما إستدعَى إنسحاب النائب ألان عون معلّلاً بأنّ استكمالَ المعركة سيشقّ التيار. هذا الإنقلاب خلقَ وفقَ معارِضيه صدمة سلبية داخلَ صفوف «التيار» الذي كان يحلم بممارسة اللعبة الديموقراطيّة.
لم يعد السؤال: ماذا ستكون عليه إنتخابات «التيار الوطني الحرّ»؟ بل ماذا سيحصل بعد 20 أيلول، خصوصاً أنّ تململاً كبيراً وإحتقاناً يسودان صفوف «التيار» بعد فرض عون باسيل رئيساً، وظهور شريحة كبيرة غير راضية عن التسوية القسريّة التي تمّت.
وقد تبلور هذا الرفض بإعلان الأمين العام السابق لـ«التيّار الوطني الحرّ» في فرنسا فارس يوسف لويس ترشّحه إلى رئاسة التيار، ضارباً كلَّ مساعي الجنرال عرضَ الحائط. وعلى رغم عدم تكافؤ القوّة مع باسيل، إلّا أنّ قسماً كبيراً من الشريحة المؤيِّدة للنائب ألان عون قد تنتخبه، عدا عن ترشيحات قد تتقدّم لاحقاً، لأنّ المهلة النهائية لتقديم طلبات الترشّح تنتهي في 27 آب الجاري.
الساعات الأخيرة
الساعات الأخيرة قبل صعود العماد عون الى المنبر وإعلان التوافق، كانت صعبة على الجميع، حيث تكشف مصادرُ في «التيار الوطني الحرّ» لـ«الجمهورية» أنّ «الجنرال نزل بكلّ ثقله الى المعركة لفَرض باسيل ودفع ألان عون الى الانسحاب، وقدّ تدرّج موقفه بشكلٍ لافت وصادم، حيث وعد بادئَ الأمر بأنه سيترك اللعبة الديموقراطية تأخذ مجراها داخل «التيار» وسنبارك لمَن يفوز، لأنّنا نريد إعطاءَ نموذج في الإنتخابات الحزبية، من ثمّ بدأ يتمنّى على عدد من المفاتيح الإنتخابية تأييدَ باسيل في الإنتخابات، قبل أن يتراجع عن وعوده السابقة، عندما أيقنَ أنّ ميزان القوى يميل بشكلٍ كبير لمصلحة ألان عون، وأنّ خسارة باسيل باتت حتميّة، وبعدما لَمَس إصرارَ المجموعة المعارِضة لباسيل على إكمال المعركة، حسَم أمره وإتّبع خطواتٍ ساهمت في فَرْض باسيل».
ضغط عون
وتشير المصادر الى أنّ «الجنرال ضغط بشكلٍ كبير على النوّاب العونيين المعارِضين، من ثمّ لجأ الى الخطّة الأساسيّة التي دفعت ألان عون الى الإنسحاب، وهي قوله إنّ هزيمة باسيل تَعني كَسْر الجنرال، وعندما ناقشناه في هذا الطرح، خصوصاً أنّ المعركة داخلية صرف، وليست مع الخصوم ومَن سيَربح سيكون «تيار حر»، وأنّه الوحيد الذي خرج بهذا الطرح، كان جوابه هو هو، أيْ أريد باسيل رئيساً للتيار وإنتهى الموضوع، وإذا لم يأتِ ستكسروني بأيديكم وسيحدث شرخٌ واسع داخلَ التيار».
«تهريبة النظام»
وتلفت المصادر الى «تهريبة حصلت في النظام الداخلي للتيار شارك فيها الجنرال وباسيل، وهي التعديلات التي أُدخلت على صلاحياتِ رئيسِ التيار، وجعله ديكتاتورياً ومطلقَ الصلاحيات، وهذه كانت المعارَضة الاساسيّة وسبب ترشّح ألان عون، حيث إنتقل «التيار» من نظام ديموقراطي الى نظام رئاسي ديكتاتوري، فزادت المعارَضة، لكن نزولاً عند رغبة الجنرال إنسحب عون من المعركة».
وتؤكّد المصادر أنّ «الانسحاب تمّ بعد الحصول على ضماناتٍ من الجنرال، لكنها شفويّة، حيث تعهّد بعدم إستفراد باسيل بالقرار ومشاورة الجميع»، موضحة أنْ «لا قرار نهائياً بتعيين نائبَي الرئيس، وفي حال تفرَّد باسيل في القرارات فإنّ أحداً لن يماشيه، بل سيصبح رئيساً على تيار هو العضو الوحيد فيه، خصوصاً أنّ الجوَّ العام محتقن، وغالبية النواب ضدّه، ولهم حيثيتهم الخاصة في أقضيتهم بغضّ النظر عن التيار، في وقتٍ لم يستطع باسيل الفوزَ في قضاء البترون عام 2009، وهذه نقطة سوداء في سجلّه الحزبي ومشكلة مستقبَليّة ستواجهه ولن يكون حلّها إلّا بالعزوف عن الترشّح للإنتخابات النيابية».
وتختم المصادر: «باسيل وزير منذ العام 2008، وسُخّرت له كلّ الخدمات في الوزارات وأُعطي كلّ الدعم السياسي والمالي في وقت حُرم الباقون منه، ولم يستطع الفوزَ إلّا بعد تدخّل الجنرال، أما المجموعة المعارِضة فحارَبها باسيل وقطع عنها كلّ الخدمات المطلوبة علماً أنها تستطيع الفوز، وهذا يعني أنّ هناك شيئاَ غير مقبول».
ألان عون يشرح… ولكن
الوضع المتازّم داخل التيار عكَسَه البيان العنيف للنائب عون الذي أعلن فيه إنسحابَه من المعركة، وقد صدر بعدما ترأس العماد عون لقاءً في الرابية لناشطي «التيار الوطني الحر» حضره باسيل وألان عون، ليخرج بعدها الجنرال معلناً نجاحَ مساعي التوافق، لافتاً الى أنّ «التفاهمَ بين المتنافسين جاء نتيجة حوار، فلا رابح ولا خاسر جراء التفاهم بل إنّ الجميع رابحون لأنها رغبة الأكثرية الساحقة».
حاول النائب عون شرحَ أسبابَ عزوفه، وقال «عندما قرّرتُ خوض إنتخابات رئاسة «التيار الوطني الحر»، كنتُ أطمح من خلال هذا التنافس الى تقديم رؤيتي لقيادة الحزب في المرحلة المقبلة والسعي لتقديم ما أراه الأفضل والأنسب لمستقبل التيار انطلاقاً من تجربة العشر سنوات الأخيرة وما ينتظرنا من تحدّيات في المرحلة المقبلة»،
مشيراً الى أنّ «مسارَ الأمور منذ انطلاق الحملة الإنتخابية إنحرف عن الأهداف المرجوّة وأظهر عدمَ نضوج الظروف الملائمة لحماية العملية الإنتخابية الحزبية الديموقراطية ويُنذِر بإنقسام يشكّل خطراً على وحدة التيار في المرحلة التي ستلي الانتخابات»، مضيفاً: «نزولاً عند رغبة العماد عون وإنطلاقاً من ثقتي المستمرّة بشخصه، وإدراكاً منّي لخطورة التداعيات على وحدة التيار خصوصاً في تلك المرحلة التي يتعرّض فيها للإستهداف السياسي الكبير، أدعوكم جميعاً الى تجاوز تلك المحطة والاستمرار في العمل سويّاً يداً في يد لخير هذا التيار ومستقبله، شاكراً كلَّ مَن عبّر لي عن تأييده ومحبته وثقته».
مرحلةٌ جديدة بدأت من تاريخ «التيار» عنوانها باسيل رئيساً، في وقت ختمت المرحلة السابقة على زغل، ما يدفع مناصرون كثر الى التخوّف من أن يصبح «التيار» تيارات متصارعة إذا سلك باسيل طريق الإستفراد نظراً الى الدعم المطلق الذي يتلقاه من الجنرال، والنظام الداخلي الذي يعطيه صلاحياتٍ مطلَقة.