في انتظار ان ترخي نتائج بيان القمة الاميركية – السعودية – الخليجية والاسلامية بتداعياتها على الساحة اللبنانية، واحتمال تفاعل القوى الداخلية بامتداداتها الاقليمية مع مقرراتها، اذا في انتظار هذا الواقع لا يزال ملف قانون الانتخاب يتقدم اهتمام القوى محاطا بتجاذبات سياسية واعلامية، نظرا لحسابات كل من الفرقاء وتباين النظرة تجاه مهمة هذا القانون في بلد متنوع تتحكم به قوى مذهبية وينقسم عاموديا بغطاء مذهبي.
وحتى حينه، يبقى قانون الستين مرفوضا وكذلك التمديد والفراغ النيابي في ظل اقتراب ولاية المجلس من نهايتها بما يجعل كافة الجهات واقطابها امام تحدي انتاج قانون جديد لانقاذ البلاد من كأس الأزمة المفتوحة على المجهول.
لكن الابواب ليست مغلقة نهائيا وان كان لا جديدا في هذا الاطار على ما ينقل زوار رئيس مجلس النواب نبيه بري عنه، لكن في الوقت ذاته لا قانونا خارج اطار النسبية والصوت التفضيلي بعيدا عن الخلافات التي ادت الى تجميد النقاش مؤخرا، وضرورة الانطلاق نحو عمل مكثف مخالف للمرحلة التي سبقت 15 أيار التي اعتبرها بري تاريخا فاصلا بين زمنين، بحيث ان ما يمكن أن يتم انتاجه من قانون بعدها يستند الى ظروف مختلفة عنما كان الامر عليه قبلها.
والكلام في محور بري هو ان رئيس المجلس النيابي يفاجئ بأنه يقدم اقتراحات نيابية بهدف تسهيل مسار هذا القانون، لكن ما يحصل معه هو انهم يعودون اليه متمترسون بطروحاته ومعدلين فيها بما يتناقض مع روحيتها، طالبين منه القبول بها بعد أن يكونوا عدلوا في جوهرها، وهو الامر الذي حدا به لرفض عدد من مسودات مشاريع كان هو طرحها بالاساس لانه تم تحوير مهمتها التمثيلية.
ثم أن رفض برّي لمجلس الشيوخ لم يأت من زاوية تمسكه برئاسة المجلس النيابي وعدم رغبته بوجود هيئة وطنية اخرى، بل لان المطالبين بمجلس الشيوخ ذهبوا الى حد تفريغ مجلس النواب من مهامه، وصولا الى ان يكون لمجلس الشيوخ صلاحية التصديق على قرارات مجلس النواب وكذلك وضع قانون انتخابي للمجلس النيابي لكي تجري الانتخابات على اساسه.
وفي السياق ذاته يقابل تعدد وجهات النظر لدى القوى المسيحية اجماعا نحو الضرورة لقانون انتخاب يؤمن تمثيلا افضل لهذه الفئة، وهو الامر الذي يعمل عليه رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل بهدف تحقيق هذا الواقع التمثيلي العادل انطلاقا من خطوة ثلاثية الابعاد تتوزع:
اولا بين تحقيق تمثيل مسيحي افضل من خلال قانون جديد لهذا المكون المؤمن بالشراكة الكاملة.
ثانيا، «تكبير» كتلته النيابية كحق طبيعي لدى الاحزاب التي تهدف لتحقيق مكاسب اضافية.
ثالثا، الحفاظ على التنوع داخل البيئة المسيحية بحيث يسمح القانون الذي يفضله باسيل عدم إلغاء اي قوى مسيحية لها حضور في هذا الحقل السياسي.
ولذلك يتصرف باسيل كقطب مسيحي يجد بأن الفرصة سانحة اليوم لارساء قانون انتخاب يشكل طمأنة للمسيحيين، في ظل توفر فرصة تاريخية تتمثل بوجود رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، والذي يرفض اي قانون لا يطمئن كل اللبنانيين ولا سيما المسيحيين، لانهم اكثر المتضررين من القانون الحالي، بحيث أن توسعهم وذوبانهم جعلهم «مفرفطين» على ما قصد في كلامه عن دون قصد عندما وصفهم بـ«الفراطة» لأنهم في هذه الحال ليسوا متحدين، وحالهم لا يمكنهم من العودة الى الدولة ومؤسساتها.
وقد وصل باسيل في مواقفه الى حد لم يتجرأ احد على اعلانها في اتجاه القوى الرافضة لاستعادة المسيحيين حقوقهم مما أبقاه وحيدا في ساحة المعركة لان هذه الفرصة لم تسنح كل يوم ونظرا ايضاً للتوقيت المناسب على اعتاب انجاز قانون بما يحمل الامر من خيارات لا تريح الآخرين اذا ما كان استحقاق سيجري على القانون الحالي، وكما ان الشراكة الحكومية على وقع التحالف الثنائي المسيحي حدا به لقيادة معركة تعزيز حضور القوات اللبنانية في الحكومة وسعيه لتوزير حزب الكتائب اللبنانية، هو النهج ذاته ينسحب على نظرته الى قانون الانتخاب الذي يريده، لان التكامل التمثيلي في الحكومة لا يضر اذا انسحب على المجلس النيابي انطلاقا من قاعدة تعكس واقعا تمثيليا صحيحا وليس من خلال تحالف ممكن ان يعقدها التيار الوطني الحر مع عدة قوى وتاتي له بنواب يشعرون بانهم ملتزمون مع قوى اخرى لان ناخبيها اقترعوا لهم. وسيستمر على موقفه ولو بقي وحيدا في هذه المعركة ومكشوفا من الذين مفترض ان يؤمنوا له الحماية الخلفية.
وتكمن الاشكالية بين بري وباسيل حول المواضيع التي تلاقيا على صفتها هو ان الامر مرتبط بمدى اعطاء المرشح والناخب حقا في اختيار النائب وفق التأهيلي على سبيل المثال، لان ثمة صيغة تحفظ نسبة تمثيلية في التأهيلي مفترض احترامها كأن يكون الاول والثاني هما قادران على خوض المرحلة الثانية، في حين ان معارضي اقتراح باسيل التأهيلي يريدون تأهيلا مطاطا الى حد ان يتم تمرير الثالث او الرابع ولو حاز على نسبة 10% على حساب ذووي الصفة التمثيلية الذين حلوا اولا او ثانيا ولذلك يريد باسيل الحفاظ على اكبر قدر ممكن من حق الناخب، وليس تاييد منطق بتفضيل المقصرين على المتفوقين. لان بعض الجهات تريد الحفاظ على عدد من النواب المسيحيين ،وفق تحدي موصوف لمشاعر المسيحيين حتى انّ صيغة المناصفة المفتوحة التي طرحها بري على الحريري والنائب جورج عدوان بحيث يكون 64 نائبا مسيحيان دون تحديد المذهب وكذلك 64 نائبا مسلما دون تحديد المذهب هو طرح عدا انه يخلق توتر مذهبيا بين السنة والشيعة في ظل هذا الظرف يؤدي في الوقت ذاته الى ذوبان الدروز النائب وليد جنبلاط كحليف لبري في هذا الواقع الطائفي.
فاقتراب ولاية المجلس النيابي من نهايتها سيعجل في إقرار قانون جديد لان الثنائي الشيعي بات اكثر حماسة لخوض الاستحقاق النيابي على قاعدة النسبية الكاملة التي تمكنه من «قضم» كل الطوائف دون ان تتوفر هذه القدرة لأي فريق سياسي اخر، والقوى الاخرى ستبقى على قناعتها لان هذا الاستحقاق ولا سيما لدى المسيحيين لا يمكن التهاون به من زاوية التهويل عليهم بالتطورات او التهديدات الخارجية التي تفرض عليهم التنازل، لان الحاجة الى التوازن في المرحلة المقبلة يتطلب تدوير الزوايا على ما اعلن نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ،مع مطالبته في الوقت ذاته بالنسبية الكاملة.
فالحاجة الى ابعاد لبنان عن تداعيات القمم مع ترامب تقتضي حسب مصدر وزاري ضبضبة الداخل اللبناني، الذي أولى مؤشراته قانون انتخاب عادل متوازن يطمئن المسيحيين، حتى لا تكون وجهة المعركة الانتخابية عندها مع حزب الله واسترجاع شعارات الاستحقاقات المقبلة من اجل تصفية الحساب معه على ما كان الامر سابقا، لذلك يشكل التيار الوطني الحر القادر على التواصل مع كل الجهات صِمَام الأمان لعدم عودة الخطاب الطائفي اذا ما كان قانون الانتخاب عادلا ويترجم اكبر حيّز ممكن من المناصفة الملتبسة.