قبل أن «يستأذن» النائب والوزير جبران باسيل رئيس الجمهورية ميشال عون عدم الأخذ بـ»رأيه» بقرار فصل النيابة عن الوزارة، تبرّع اثنان من أعضاء تكتل «لبنان القوي» بالانقضاض على «رأي»، لا بل اقتناع، عون بالفصل من دون حتى استئذانه. لم يقف الأمر عند حدود «تبييض الوجه مع جبران». كان هناك قرار مركزي «باسيلي» بأنّ دوره كوزير في الحكومات لم ينته بعد.
في منتصف أيار الماضي إنفرد حليف «التيار الوطني الحر»، والعضو في تكتل «لبنان القوي» نعمة إفرام بالتأكيد، وقبل أن تَحسم القيادة العونية رأيها، أنّ التكتل يقف ضد فصل النيابة عن الوزارة. كان قد مضى على موقف عون، الذي أطلقه من جبيل بتأييد الفصل، نحو أسبوعين «بحيث لا يكون من أوكِل إليه محاسبة الحكومة إذا أخطأت هو نفسه عضواً فيها»، كما قال رئيس الجمهورية يومها.
بالتزامن، أعلن النائب زياد أسود أنّ «التكتل» يجب أن لا يأخذ بمعيار الفصل «فلباسيل دور في الحكومة وملفات يجب أن يتابعها شخصياً».
شَكّل ذلك تميهداً لقرار اتّخذته لاحقاً قيادة «التيار الوطني الحر» بعدم الفصل، مع العلم أنّ باسيل نفسه كان قد أعلن قبل أشهر: «أعرف ما سأفعله، وخياري قد يكون مفاجأة للجميع»!
خياره شَكّل فعلاً مفاجأة مُقارنة بحماسة رئيس الجمهورية وقيادات في «التيار»، على رأسهم إبنة الرئيس ميراي عون هاشم، وحلفاء لـ»التيار»، ومن بينهم صهر الرئيس النائب شامل روكز، والغالبية الساحقة من القاعدة الحزبية لفصل النيابة عن الوزارة، باعتبار هذه الخطوة إحدى البديهيّات في مجال «الاصلاح والتغيير».
قبل ذلك، وبوقت ليس ببعيد، أي قبل الانتخابات النيابية، أعلن النائب سيمون أبي رميا أنّ «التيار» مع فصل السلطات، ونحن تكتل «التغيير والاصلاح» نمنع أن يكون النائب وزيراً، وقد أطلقنا هذا المسار، ومن الجيّد ان يَتمثّل بقية الافرقاء فيه وأن يحذوا حذونا»! ميراي عون ذهبت أبعد بالتأكيد «جبران لن يكون وزيراً في الحكومة المقبلة».
ما حصل عملياً أنّ «التيار» لم يَحذُ حَذو «حزب الله»، شريكه الاستراتيجي حامل يافطة محاربة الفساد، وتيار «المستقبل» الغارق في ورشة محاسبة و»تنظيف»، حزبياً وحكومياً، و»القوات اللبنانية»، الفريق السياسي الوحيد، الى جانب تيار «المردة»، الذي لم «يخلط»، لا سابقاً ولا الآن، النيابة مع الوزارة.
نائب ووزير في الوقت نفسه. الأول يفترض أن يحاسب الثاني وصولاً الى نزع الثقة عنه! إنفصام كلّي حَارَبه «التيار البرتقالي» طوال جلوسه على مقاعد المعارضة وصولاً الى تقديم اقتراح قانون بشأنه، وفي مرحلة دخوله الحكومات، بحيث بقيَ محافظاً على «أدبيّاته» بالفصل و»مُعايرة» مَن دأبَ على «الجَمع». بقيَ الحال على ما هو عليه الى اللحظة التي انتُخب فيها جبران باسيل نائباً عن البترون! هنا «الحَرام» صار «حلالاً».
من يعرف رئيس الجمهورية جيداً يعلم أنه من أكثر المتحمّسين لهذا الخيار في عمل السلطة. إقتناع راسخ وَجَد أولى ترجماته في طلبه من نواب في «التكتل»، حين كان رئيسه، بتقديم اقتراح قانون بفصل النيابة عن الوزارة الذي لم يجد طريقه الى الهيئة العامة لمجلس النواب.
لكن كان سهلاً على باسيل كَسر هذا الإقتناع، من منطلق أنّ هناك قوى سياسية فَصَلت بين الموقعين في الحكومة المقبلة، لكنّ قوى أخرى لم تفعل. وطالما أن لا نصّ دستورياً أو قانونياً، يُجيز الفصل، فإنّ «الجَمع» ضروري، وشرعي… ومؤقت. وفق العارفين، عون عاد واقتنع بوجهة نظر باسيل!
في مقابلته التلفزيونية الاخيرة أوضح باسيل أنّ الهيئة السياسية في «التيار» اتخذت القرار بعدم التزام الفصل بعد «استئذان» رئيس الجمهورية، وأكد أن «لا خلاف داخلياً على هذا الأمر»، قائلاً: «طالما أن لا قانون يمنع توزير النائب يبقى هذا الامر خياراً لكل فريق سياسي. وبالنسبة إليّ أفضّل توزيع العمل، ورغبتي ومصلحتي أن لا أكون وزيراً، لكنّ هذا الأمر يقرره «التيار»، وفي نظام «التيار» هذا الأمر لي تماماً كتعيين وزراء «التكتل»، وأنا أقرّر فيه، وفي «التيار» يطلبون منّي أن أكون وزيراً»!! هي المرة الأولى، بالطبع، التي تفرض فيها قيادات «التيار» على رئيسه أمراً لا «يرغب به»!
وفق المعلومات، قبل نحو 10 أيام ناقشت الهيئة السياسية في «التيار»، ومن ضمن اجتماعاتها الدورية، مسألة فصل النيابة عن الوزارة، إضافة الى مسائل حزبية وسياسية أخرى. تتألف الهيئة من رئيسها، ونائب الرئيس وجميع نواب ووزراء «التيار» الحاليين. النقاش كان عامّاً، ولم يتّخذ القرار بعدم الفصل بالتصويت، مع العلم أنّ الآراء كانت متشعّبة حياله.
يقول أحد النواب المشاركين في الاجتماع: «مسألة الفصل قابلة دوماً للنقاش، خصوصاً أنها غير معتمدة في كثير من دول العالم. ففي بريطانيا مثلاً يجب أن تكون نائباً لكي توَزّر، أما فرنسا فتعتمد النائب الرديف الذي طالبنا به من خلال اقتراح القانون الذي تقدّم به «التيار». ويضيف: «الحكومة الحالية هي حكومة وحدة وطنية، أي ليس هناك أكثرية تحكم وأقلية تعارض. وبالتالي، إنّ مفهوم «الفصل» لا يصحّ كثيراً في نوع كهذا من الحكومات».
وتتبنّى قيادة «التيار» حالياً شعار «ليس هناك أبيض وأسود في موضوع فصل النيابة عن الوزارة، وطالما أن لا قانون يجيزه فلا شيء يلزمنا به، ولا نشعر بالإحراج بوجود قوى تَبنّته في الحكومة، مع العلم أنّ «حزب الله» قال مثلاً إنه إجراء مؤقت لديه وقد لا يبقى على التزامه به في الحكومات المقبلة، وهناك فريق اعتمَده من ضمن حسابات سياسية. وبالتالي، المعيار الأساس ليس تطبيق مبدأ الشفافية»!
وتؤكّد أوساط قيادة «التيار» أنّ «القرار بعدم الفصل ليس مُتّخذاً سلفاً. فحين نصل الى مرحلة بَتّ الاسماء، تظهر حصتنا من الحقائب، وسنذهب في اتجاه اختيار الوزراء الأكثر كفاية لإسناد هذه الحقائب إليهم. وإذا تبيّن لنا أنّ هناك حقائب تستلزم «بروفيلاً» معيّناً من الوزراء همّ نواب في الوقت نفسه، تركنا لأنفسنا هامش الحرية في ألّا نكون مقيّدين بهذا المعيار»!