IMLebanon

المبادرة «الباسيلية»: «براءة الإنجاز».. لم تُكتب بعد

 

يواصل رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل جولته بين المقار ومراكز النفوذ السياسي، بعدما ضمّ النواب السنّة المستقلين إليها. فالتقى إلى لآن، وبنحوٍ منفصل، النائبين فيصل كرامي وعدنان طرابلسي.

 

جلّ طموحه، اختراق جدار الجمود الحديديّ بعدما بلغت سقوف المواقف حدودَها العليا. قالها الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله في وضوح لا لبس فيه: لا حكومة إذا لم يومئ نواب «الممانعة» السنّة رؤوسَهم تأييداً لمعادلتها. وردّ الرئيس المكلف سعد الحريري جازماً بعدما أقفل «صرّته»: لن «أُجلد» مرتين.

 

فعلياً، اعترف الأخير أنّ تمثيل خصومه السنّة في الحكومة، «ثمن» عليه دفعه، أسوة بـ»الثمن» الذي دفعه بقبوله النسبية نظاماً لقانون الانتخابات، ولكن سها عن باله أنّ الأول هو ترجمة للثاني. وبالتالي إنّ أنكار هذا الواقع لن يغيّره.

 

أما رئيس الجمهورية ميشال عون فنأى بحصته كما بحصة «التيار الوطني الحر» عن «ضريبة» قد يدفعاها في سبيل تأليف الحكومة، على قاعدة أنّ الأزمة في مكان آخر، وبالتالي حلّها في هذا المكان.

 

بعد تبليغ «بيت الوسط» رفض المسّ بـ»الكوتا الزرقاء»، لا تزال المواقف على حالها. تعاند الأطراف كافة التقدم خطوة إلى الأمام في انتظار «كلمةِ سرٍّ» ما قد تحرّك الجمود، ولو أنّ الجميع يعترفون بأنهم متساوون في «مأزوميّتهم»، كلّ لاعتبارات تخصّه.

 

فرئيس الجمهورية أطفأ الشمعة الثانية من عهده فيما حكومته المنتظرة «منذ سنتين» تواجه قدر «الفيتوات» المتبادلة. أما رئيس الحكومة فخياراته تكاد تكون محدودة. وافق على مضض على قانون انتخابي كان يعرف مسبقاً أنه سيكون بمثابة «مقص» يقتصّ من جناحيه، وها هي حكومة ترجمة نتائج الانتخابات تطالبه بـ»عصر» حصّته للتضحية بوزير سنيّ من خيار خصم.

 

أمّا الأزمة الاقتصادية التي تهدّد بقلب الطاولة رأساً على عقب، فتدقّ أبواب الجميع بلا استثناء.

 

وسط هذه الصورة القاتمة، قرّر باسيل أن يقرع الأجراس علّه يتمكن من هندسة حلّ يُدخله نادي «صانعي المعجزات اللبنانية»، بعدما بدت حلقة المعالجات مقفلة على حالها.

 

كان الاعتقاد سائداً أنّ رئيس «التيار الوطني الحر» يضع في جيبه مفتاح حلّ، أو أقله خريطة طريق مضمونة النتائج، قد تمكّنه من تجاوز العقبات وتسمح له بإكمال العقد الحكومي لتوقيع المراسيم. فتتيح له استطراداً تسجيل «براءة إنجاز» يبرّئه من التوصيف الذي يلاحقه بأنه أكثر السياسيين جذباً للخصومات. وإذ بالوقائع «تكذّب الغطاس». يقرّ المطّلعون على حركته أنّ «توقيت» الإنجاز ليس في متناوله. ويبدو أنّه لم يتمكن من انتزاع ضوء أخضر قد ينير دربه ويساعده على اختراق «المحظور». الحواجز الممانعة لتأليف الحكومة لا تزال على حالها.

 

أما مبادرته فتقوم على أساس ترميم، أو بالأحرى، ترتيب قنوات الاتصال والتواصل بين رئيس الحكومة والنواب السنّة المستقلين تمهيداً لتأسيس علاقة ثنائية من شأنها أن تساهم في تنظيم دينامية عمل الحكومة العتيدة. ويسأل المطّلعون: كيف يمكن هؤلاء النواب أن يكونوا ممثّلين في الحكومة إذا كانت مياه العلاقة مقطوعة مع رئيسها؟

 

لا بدّ أولاً من كسر هذا الحاجز، وهو ليس بحاجز رملي يمكن هدمه بسهولة. ما هو أهم من تمثيل هؤلاء النواب، كما يرى المطلعون، هو اعتراف رئيس تيار «المستقبل» بثنائية الحالة السنّية، أي وجود رأي سياسي آخر موازٍ لرأي «الحريرية السياسية» وحلفائها. قد لا تكون الأحجام متوازية لكن الاعتراف بالآخر، على حجمه وحضوره، أمر لا بدّ من حصوله بدفع من الفريقين، قبل التوصل إلى علاج للأزمة.

 

وفق المطّلعين، فإنّ تحقيق هذه الخطوة، يُعتبر عبوراً لنصف المسافة، لأنها تتيح للفريقين الجلوس والحوار والنقاش حول بقية النقاط العالقة: كيف يتمثل المستقلّون؟ مَن يمثّلهم؟ من بين النواب الستة أو من خارجهم…

 

وفق هذه القاعدة، يحاذر باسيل تقديم مبادرة معلّبة جامدة، وما يعرضه هو عبارة عن دينامية نقاش تذكّر مَن يلتقيهم أنّ المسؤولية جماعية ملقاة على عاتق الجميع بلا استثناء. صحيح أنّها تتضمّن بعض الأفكار والطروحات القابلة للتطوير والنقاش لكنها غير مبنيّة على سيناريو واحد كما يعتقد البعض.

 

يؤكد المطلعون أنّ ما يقوله باسيل لمَن يلتقيهم هو تشديده على أنّ رئيس الجمهورية ليس مسؤولاً عن الأزمة ولا يتحمّل وحدُه وزرَ معالجتها لكي يقوم بتسمية الوزير السنّي المختلف عليه، من حصته. يقول هؤلاء إنّ المسألة مرتبطة بخلاف بين رئيس الحكومة والنواب السنّة ومعهم «حزب الله»، وبالتالي حلّها عند هؤلاء، ما يعني أنّ الرئيس ليس طرفاً فيها لكي يدفع «ثمن» دوائها.

 

لا بل يختصر المطلعون لبَّ الأزمة بقول النواب السنّة إنهم يشكّلون خياراً سياسياً مستقلاً، عن رئيسَي الجمهورية والحكومة، وبالتالي لا يمكن أن يكونوا من الحصة الرئاسية انسجاماً مع موقفهم. لتأليف الحكومة ممرٌّ إلزاميٌّ وحيد: تخلّي الحريري عن مقعد إضافي!