Site icon IMLebanon

«الباسيلية» السياسية

مع فَوْز الوزير جبران باسيل بالتزكية برئاسة «التيار الوطني الحر» هل يمكن القول إنّ عهداً جديداً بدأ، عنوانه الباسيلية السياسية، أم أنّ عهده سيشكل استمراراً للعَوْنية السياسية، أو أنه سيرتكز بالأحرى على إرث العَوْنية السياسية من أجل التأسيس لمرحلة الباسيلية السياسية؟

مرحلةٌ جديدة سيشهدها «التيار الوطني الحر» مع استلام الوزير باسيل رئاسة التيار. قد لا تبدأ هذه المرحلة فورَ استلامه، وهذا طبيعي، إنما لا شك ستتبلور تباعاً في سياق إمساكه التدريجي بمفاصل القرار داخل التيار وبشكل مُحْكَم، لأنّ فترة التحضير للانتخابات بيّنت أنّ انتخابه غيرُ محسوم على رغم دعم العماد ميشال عون الواضح والمطلَق له.

فالتهيئة لانتخابات التيار دلّت إذاً أنّ باسيل لا يتمتع بشعبية عَوْنية مرجّحة على رغم أنّ الرجل برهن عن حضور سياسيّ داخلَ تياره، إلّا أنه لم ينجح باختراق المزاج الشعبي والوجدان العَوْني، الأمر الذي سيدفعه إلى اعتماد سياسة مزدَوجة خارجَ التيار وداخله:

فعلى المستوى الخارجي، أيْ على المستوى الوطني، سيحاول تظهيرَ صورة أنه الأقدر على تبوّؤ رئاسة التيار وترجمة سياسة مؤسّسه، ومن المتوقع، على الطريقة العَوْنية، أن يعمد إلى افتعال مواجهات سياسية بغية شدّ العصب العَوْني حول رئاسته ودوره من جهة، وحرف أنظار العونيين عن التغييرات البنيوية التي سيلجأ إليها داخلَ التيار من جهة أخرى، ومن هنا لا يجب استبعاد مرحلة تصعيد ومزايدات الهدف منها تثبيت رئاسته وانتزاع شرعيّته.

وعلى المستوى الداخلي، أيْ على مستوى «التيار الحر»، سيتخذ كلّ الإجراءات التي تكفل وتضمن أبديّة رئاسته، خصوصاً أنّ التحدّيات التي سيواجهها في المستقبل أكبر وتبدأ من تراجع تأثير العماد عون ولا تنتهي بمواجهة العميد شامل روكز الذي يحظى بشعبيّة عَوْنية حاسمة بفعل خلفيته العسكرية التي تشكل المشترك والجاذب للقاعدة العَوْنية كونها من العناصر المؤسِسة والمكوِّنة لها.

وتبعاً لذلك من أولى أولويات باسيل ستكون الإطاحة بالصيغة التوافقية التي سيتمّ تكريسها قريباً والتي جاءت كنتيجة طبيعية لتجنّب العملية الانتخابية، لأنّ هذه الصيغة ستكرّس التوازن بين باسيل وأخصامه، وتشرّع وجود تيارات داخل «التيار الوطني الحر»، الأمر الذي يشكل تهديداً وجودياً لباسيل في الاستحقاق الانتخابي المقبل في حال لم يبادر إلى الإطاحة بها.

فلن يسمح جبران بوجودِ تيارات، وسيبدأ بعد فترة قصيرة من استلامه بمحاصرتها وتصفِيتها سياسياً من خلال تعيينات يلجأ إليها ترمي إلى وضع الكوادر التي تدور في فلكه في المواقع الأساسية، خصوصاً أنّ باسيل لا يعدّ العدّة هذه المرة لمواجهة النائب آلان عون، الذي أظهر عن جدارة في خوضه لانتخابات التيار، إنما لمواجهة التسونامي المقبل المتمثل بالعميد روكز.

ومن هنا إذا كانت القاعدة صرف عونية سيكون النصر محسوماً لروكز، ولذلك سيلجأ باسيل إلى خطة مزدَوجة: استخدام العَوْنية السياسية كعنوان ظاهر يشكل الشرعية والمشروعية لرئاسته ودوره وحراكه، مقابل شروعه بتثبيت قواعد الباسيلية السياسية كعنوان مضمر، لأنه في حال لم يعتمد هذا التوجّه ستكون رئاسته مجرد جسر عبور لوصول روكز في الوقت المناسب، أو غير روكز في حال رفضه قيادة «التيار الوطني الحر»، الأمر الذي سيجعل باسيل يقوم بالمستحيل ليقفل الطريق على الجميع.

وما سيواجهه باسيل يختلف عن وضع النائب سامي الجميل ونجلَي النائبين وليد جنبلاط وسليمان فرنجية، لأنّ مستقبل الثلاثة مضمونٌ وثابتٌ ونهائي، فيما وضع باسيل مفتوح على شتى الاحتمالات وفي طليعتها خروجه من رئاسة «التيار الحر» في الانتخابات المقبلة، لأنّ وصوله اليوم إلى هذا الموقع مردّه فقط إلى قوة العماد عون لا قوته، وبالتالي استمراره في موقعه رهن قدرته فقط على إرساء نهج الباسيلية السياسية من خلال تحويله النظام الداخلي للتيار إلى أداة بيده لتصفية خصومه.

وتبقى إشارتان تنظيميّتان لا بدَّ منهما: الإشارة الأولى أنّ المرشحَين الجدّيَين هما من عائلة الجنرال، ما يعني استحالة دخول ترشيح جدّي من خارج هذا المضمار. والإشارة الثانية أنّ النائب آلان عون بعد هذا الترشيح والتجربة هو غيره ما قبل الترشيح، كونه راكم خبرة ومشروعية، ما سيجعله يواصل ما بدأه على هذا المستوى في سياق مواصلة سياسة التراكم، الأمر الذي سيحوّله الى خصم أوّل لباسيل، ومن دون التقليل من حرصه على الاحتفاظ بموقعه التنافسي في مواجهة احتمال دخول روكز على الخطّ مستقبَلاً.

ولا بدّ أيضاً من الإشارة إلى ملاحظتين سياسيتَين: الملاحظة الأولى أنّ باسيل سيتّجه وطنياً إلى مزيد من الالتصاق بـ»حزب الله» والابتعاد من «المستقبل» من أجل إسناد رئاسته بغطاء الحزب ودعمه، وتبديد الانطباع أنه براغماتي في تحالفاته لا مبدئي، فضلاً عن أنّ اعتماده سياسة وسَطية عبر المزاوجة بين الحزب و«المستقبل» لا يخدم أهداف تكريس رئاسته، كونه يدرك بأنّ الأرض تميل باستمرار نحو التطرّف، وأنّ خطّ الاعتدال لا يمكن أن تكرّسه سوى الشخصية المتمكّنة من حيثيّتها وشعبيّتها وحضورها.

والملاحظة الثانية انه في إطار المزايَدة الوطنية سيتحيّن باسيل الفرصة أو المناسبة التي تخوّله التنصل من وثيقة النيات مع «القوات اللبنانية»، انطلاقاً من إدراكه أنّ العصبية العَوْنية لا يمكن استنهاضها سوى بالمواجهة السياسية مع «القوات».

ولكن إن دلّ كلّ ما تقدّم وغيره على شيء، فعلى أنّ «التيار الوطني الحر» دخل منذ فترة في مرحلة من انعدام الوزن السياسي تظّهّرت بشكل أساسي من خلال الضعف في الحشد والتعبئة والتنظيم، وهذا الانعدام في الوزن مرشحٌ للاتساع في المرحلة المقبلة لا التقلّص، وذلك كنتيجة طبيعية لعاملَين: الصراع الداخلي الحاد المتصل بمواقع النفوذ، والتراجع في الدَوْر الوطني لـ»التيار الوطني الحر».