تموضع رئاسي مُختلف مع الحليف الشيعي لا يستفز المجتمع المسيحي
لم تمض ساعات قليلة على انتهاء جولة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، حتى فجّر النائب جبران باسيل مفاجأة من العيار الثقيل، لا تزال تردداتها تتوالى حتى اليوم، حول تنازله رئاسيا وقبوله معادلة جديدة قوامها «مرشح رئاسي مقابل ثمن».
كلام باسيل لم يحتج الى بحث طويل لفهم مراميه، ومعرفة ان المرشح المقصود الذي سيقبله هو رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، وان حزب الله هو الجهة التي يتفاوض معها حول اللامركزية والصندوق الائتماني، أكثر من ذلك تحدث باسيل عن تضحية لست سنوات مقبلة، رابطا ذلك بإقرار مسبق لقانون اللامركزية والصندوق.
مع ذلك، انقسمت التفسيرات حول أهداف رئيس التيار، فهناك مَن رأى ان قنبلة باسيل بمفاعيل رئاسية وسياسية طويلة المدى، وان في موقفه تطورا إيجابيا في عملية تسهيل الانتخابات الرئاسية، واستعدادا للنزول عن شجرة المطالب الرئاسية المتعلقة بقيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان، وعدد من الضمانات بالحصول على طروحات تضاعف شعبيته المسيحية. بالمقابل ثمة مَن نظر بخشية الى طرح باسيل، واعتبره قنبلة معدة على توقيت انفجار قريب، خصوصا انه مدرك ان طرح اللامركزية المالية يلاقي رفضا شيعيا، كونه واردا في نصوص اتفاق الطائف.
في الحالتين، فان كلام باسيل في عشاء التيار، سيبقى عنوانا لجدل سياسي لن ينتهي قريبا، وان كان التفسير الأقرب الى الواقع والتصديق، كما يقول منتقدو باسيل، ان الدافع وراء هذا الكلام أشد خطورة من ترشيح سليمان فرنجية، ويتعلق بالتسريبات عن ارتفاع حظوظ قائد الجيش والحديث عن تسوية دولية، مما ساهم في تعجيل ودفع حصول تموضع رئاسي، يعود إليه بتعويضات تتخطى اللامركزية ، وتصل ربما الى حقائب في الوزارة المقبلة، حيث تشكل وزارة الطاقة التي لن يتركها التيار أحد الشروط التعجيزية المطلوبة، إضافة الى وضع الصندوق السيادي في العهد المقبل تحت إدارة التيار، حيث عين باسيل على الثروات النفطية والصناديق المالية في مرحلة التعافي الاقتصادي، بحسب منتقدي باسيل.
مع ذلك، ثمة مَن يعتقد ان عرض باسيل لا يزال كلام منابر ولم يدخل مرحلة التنفيذ، فلا شيء حسي او جديد في موضوع حوار حزب الله والتيار، وتحاط عملية التفاوض بالسرية المطلقة، وبشكل مباشر بين النائب جبران باسيل ورئيس وحدة الارتباط وفيق صفا.
وبالرغم من التكتم، تحاك أخبار حول مستوى الاتفاق بين الطرفين، فثمة مَن يرى ان التفاهم الرئاسي بات قريبا جدا، انطلاقا من حسابات خاصة تفرض إعادة اللحمة الى العلاقة بين الحليفين والتقارب مجددا، فما تسرب من معطيات من الاجتماع الخماسي لا يصب في مصلحة مرشح «الثنائي الشيعي» لجهة تطويق الدور الفرنسي، الأمر الذي لا يمكن ان يقبله الثنائي، وفي الوقت نفسه صار مؤكدا ان تراجع تأثير الدور الفرنسي يعزز حظوظ قائد الجيش العماد جوزف عون، وهذا التطور دفع الى تفعيل التواصل بين ميرنا الشالوحي وحارة حريك.
مرة أخرى تطرح تساؤلات حول الأداء الذي يمارسه جبران باسيل ، فهو يحاول ان يكون المعبر الإلزامي لانتاج رئيس للجمهورية، وعاد الى التفاوض مع حزب الله واضعا نهاية للتقاطع مع المعارضة. والتموضع الباسيلي له أهميته، فرئيس التيار هو الطرف المسيحي القادر ان يمنح الرئيس المتنازع عليه الميثاقية المسيحية.
من هنا قد يكون صحيحا القول ان باسيل الذي نفذ استدارة رئاسية شبه كاملة، أصاب عدة عصافير بحجر واضح، فهو عاد الى ترتيب علاقته مع حزب الله بعد جولة طويلة من الخلافات السياسية والرئاسية، طارحا اللامركزية الإدارية والصندوق الائتماني، والطرحان يلاقيان استحسانا لدى الشارع المسيحي، وبالتالي فان باسيل يكون قد كسب نقاطا رابحة فأعاد تصويب علاقته المترنحة مع حزب الله من دون ان يخسر مسيحيا.