يعمل رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل على تحسين صورته الداخلية بعد نكسة العهد العوني، ويواصل جهوده على صعيد ترميم علاقاته الخارجية خصوصاً بعد نسجه عدداً من العلاقات الدولية أثناء تولّيه حقيبة الخارجية.
يُركّز باسيل في الملفّات الخارجية على كسب رضى الولايات المتّحدة الأميركية حسب خصومه، وهذا ما يُفسّره البعض برفضه السير بانتخاب مرشح «حزب الله»، أي رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، وذلك من أجل القول إنه خرج من محور «الممانعة» ويجب رفع العقوبات الأميركية عنه.
وإذا كان جهد باسيل ينصبّ على تحسين صورته وعلاقاته مع واشنطن، فلا يُسقط من حساباته العلاقة مع روسيا التي تُعتبر القوة العالمية الثانية بعد الولايات المتحدة الأميركية، بعدما مرّت علاقته بموسكو بمطبّات ولم ترتقِ إلى درجة التحالف.
وكانت زيارة السفير الروسي في لبنان ألكساندر روداكوف لباسيل في ميرنا الشالوحي لافتة، حيث سلّمه دعوتين: الأولى للمشاركة في مؤتمر لقاء الأحزاب في موسكو، والدعوة الثانية للمشاركة في المؤتمر الاقتصادي في سان بطرسبورغ، وتناقشا في الوضع العام في روسيا ولبنان إضافة إلى تطورات الملف الرئاسي.
للوهلة الأولى يربط البعض هذه الدعوة بمحاولة موسكو لعب دور في الملفّ الرئاسي والوقوف عند خاطر باسيل، لكن الغوص في مجرى الدعوتين يكشف عدم وجود مضمون سياسي كبير خلف هذا الأمر.
وفي التفاصيل، تكشف المعلومات أنّ هذه المناسبة تحصل في موسكو بشكل دوري وخصوصاً لقاء الأحزاب. فبالنسبة إلى المنتدى الإقتصادي الدولي في سان بطرسبورغ، فقد بدأت موسكو تنظيمه منذ نحو 20 سنة وكان الهدف فكّ العزلة الإقتصادية عنها وإطلاق الإقتصاد الروسي والشركات الروسية على العالم، وكانت إنطلاقته على مستوى ضيّق وبدأ يتوسّع بعد اهتمام الرئيس فلاديمير بوتين به حيث كان يحضره في بعض الأحيان.
وتُوجّه الدعوات إلى وزراء ونواب ورؤساء أحزاب وإقتصاديين من كل دول العالم، لكن الدولة التي ليس لديها مشاريع إقتصادية مع روسيا يكون حضورها رمزياً، وبالنسبة إلى لبنان فقد تُوجّه دعوات إلى عدد كبير من اللبنانيين، وتبدأ بالسفير اللبناني في روسيا وكذلك تُوجّه الدعوة إلى 8 وزراء لبنانيين من معنيّين وغير معنيّين بالإقتصاد، وكذلك الهيئات الإقتصادية.
والجدير ذكره أنّه بعد موجة «كورونا»، تحاول موسكو توسيع الدعوات كي يحضر أكبر عدد ممكن من المشاركين، وخصوصاً بعد انخفاض عدد الحضور في السنوات السابقة، ولن يكون هناك أي لقاءات ثنائية بين باسيل أو أي ممثل عنه مع المسؤولين الروس، لا سيّما وأن بوتين يُلقي كلمة، إضافةً إلى رئيس دولة يحضر المؤتمر ولا يعقد أي لقاء مع شخصيات عادية.
وبالنسبة إلى لقاء الأحزاب الذي دُعي إليه «التيار الوطني الحرّ»، فهو يقتصر على الأحزاب الشيوعية في العالم وأحزاب دول «الممانعة»، أي سوريا وإيران وأيضاً فنزويلا، واللافت أنّ موسكو كانت تدعو أحزاب «الممانعة» اللبنانية مثل «حزب الله» و»السوري القومي الإجتماعي» و»البعث»، وبالتالي فقد وضعت موسكو «التيار الوطني الحرّ» في صفّ محور «الممانعة» بعدما بذل باسيل جهداً إستثنائياً لفكّ تحالفه مع «حزب الله» وإظهار تمايزه عن الممانعين.
إذاً، يتّضح أن الدعوات الروسية إلى باسيل و»التيار الوطني الحرّ» ليست بالمستوى الذي يتمنّاه باسيل، ولا توجد أي مبادرة روسيّة تجاه الوضع اللبناني، لأنّ الروس يعتبرون أنّ القرار بيد اللبنانيين أنفسهم ولن يدخلوا في التفاصيل اللبنانية أو يغرقوا في وحول الأسماء المعرّضة للحرق دائماً.
من جهة ثانية، يبدو واضحاً عدم رغبة موسكو بالقيام بأي مبادرة لجمع محور «الممانعة» ودفعه إلى الإتفاق على اسم، فروسيا تعتبر حسم الملفّ الرئاسي في يد واشنطن، ولا احد يمكن مجاراتها في لبنان أو فرض شروطه أو مرشحيه.