ما اجتمع اثنان في السياسة إلا وكان الحديث عن الوزير جبران باسيل ثالثهما. تُستعرض نقاط قوته وضعفه لتكون النتيجة في غالبية الأحيان أن باسيل هو الوزير الأول في الحكومة ويطغى حضوره على من عداه حتى على رئيس الحكومة. لكن هذا الواقع الذي يعترف به الجميع لا يمنع من القول إن الأمور لن تستمرّ طويلاً هكذا. فباسيل الذي يستفيد حالياً من أكثر من معطى سياسي أبرزها أنه صهر العهد، وحليف “حزب الله” الأقوى في لبنان والمنطقة، نجح في جمع العدد الأكبر من الأعداء حوله، حيث تثبت جردة سريعة على بيان علاقته مع بقية القوى السياسية أن معدل عداواته يتفوق على معدل صداقاته وأسباب ذلك كثيرة.
يقول مقرّبون إن باسيل ومنذ نعومة أظافره كان يصعد على كرسي خشبي في بيت أهله ويخطب بمن حوله على أنه رئيس للجمهورية. أما اليوم فهو وزير طموح، يتسلق سلم مصالحه ولو على حساب مصالح الآخرين. وفق رأي الكثيرين، بات باسيل متمرناً على نسج الاتفاقات وتحصيل مصلحته منها ثم نقضها والانقلاب عليها أو التفلّت منها. انقلب على اتفاق معراب بعدما نال منه ما يريد، فاستبعد رئيس “القوات” سمير جعجع الشريك الماروني الآخر في التسوية، وهمّش الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لتتحول التسوية من خماسية الأبعاد إلى ثلاثية عمادها باسيل و”حزب الله” والرئيس سعد الحريري، والأخير بات وجوده بحسب البعض حارساً للسنّة في التسوية أكثر من كونه مقرّراً فيها.
يتعامل باسيل مع التسوية وفق مصلحته أكثر من مصلحة شركائه. لذا لا يمكن تسمية ما يحصل بالانقلاب الكامل، يقول البعض، لأن التسوية عمادها وصول العماد ميشال عون إلى الرئاسة والحريري الى رئاسة الحكومة، بهذا المعنى التسوية لا تزال قائمة. ما حصل أن باسيل أدار ظهره لشريكه المسيحي ولكن ليس للتسوية التي يكمل بها والتي لا تزال قائمة على تفاهم “عون – حزب الله – الحريري”. هذا الثالوث لا يزال قائماً ومتماسكاً رغم التباينات، ومن سقط هما الفريقان “الأضعف” أي سمير جعجع ووليد جنبلاط لتكون الأرجحية لـ”حزب الله”. وما يريده باسيل من التسوية أن تبقى وتستمر ولكن بشروطه، أي أن يكون هو الفريق الأقوى فيها مستنداً الى قوة “حزب الله” و”ضعف” سعد الحريري.
هو يأخذ من التسوية ما يريد بالاستناد الى قوة “حزب الله”، وبفعل أنه العهد. قالها الرئيس ميشال عون لجعجع كما قالها للحريري وجنبلاط من قبل، إذ كان كلما فاتحوه بموضوع ما يجيب “راجعوا جبران”. بالاستناد الى هذه العوامل مجتمعة يمكن ان يأخذ باسيل ما يريده من التسوية ولكن السؤال الأساسي هل سيكمل الحريري في هذا المسار من التنازلات ام سيقف ولو في مواجهة باسيل؟
يعتقد باسيل أن الحريري لا يمكن أن يخرج من التسوية لحاجته إلى أن يكون رئيساً للحكومة، ومستقبله السياسي مرتبط بمستقبل باسيل السياسي. وهو يريد منه أن يبقى أسيره الدائم ولا يبتعد عنه باتجاه جنبلاط او الرئيس نبيه بري. في المقابل، كان الحريري يتعاطى على قاعدة الفصل بين باسيل وبين رئيس الجمهورية حتى وصل الى مرحلة لم يعد بالامكان الفصل فيها بعدما قال الجميع إن رئيس الجمهورية يحوّلنا الى باسيل.
السؤال نفسه، حول الوقوف في وجه باسيل، يطرح على بقية الأفرقاء السياسيين، الذين يتعامل معهم وزير الخارجية بطريقة لا تبعث على الثقة. بدءاً من “القوات” التي لن تؤمن له “لكونه نكث بتوقيعه ولم يلتزم به بأي شكل من الأشكال”.
و”المستقبل” لم يعد قادراً على وضع اليد بيده، وهو يتعاون معه بقوة الأشياء وليس كمكوّن سياسي، وقد يكون ينتظر نهاية عهد عون لقطع العلاقة به، في ظل الرهان على أن نهاية عهد عون ستؤثر على جمهور باسيل.
ولا يختلف واقع العلاقة مع “حركة أمل” عن “المستقبل”، علماً أن ليس هناك أي ود أو كيمياء بين الجهتين.
أما العلاقة مع “الاشتراكي” فحدث ولا حرج بعدما تلوّثت بالدم. الطرف الآخر يرى أن باسيل حاول “التلاعب بالمصالحة والتحكم فيها عبر فرض نمط جديد من التعاطي تمثل من خلال قداس التوبة والمغفرة، أي كأنه يقول إن جنبلاط يتوب ونحن نغفر له ما أثار الحفيظة في الجبل”. هذا الى جانب محاولة استخدامه للوزير طلال أرسلان في مواجهة درزية غير متكافئة أدّت الى حشد الدروز خلف جنبلاط.
ويبقى “حزب الله” الذي لديه حسابات خاصة مرتبطة بحاجته الى رافعة مسيحية قد لا يمثلها باسيل في نهاية عهد عون، لأن نظرته استراتيجية للموضوع وهو يهمل التفاصيل في الوقت الحاضر.
بغض النظر عن “الفشل” الذي يرى البعض أن العهد يتعرض له اقليمياً ودولياً في عهد وزير الخارجية الحالي، لا يبدو حال الملف الداخلي افضل في ظلّ “غياب كلي لأي علاقة ودية مع أي طرف سياسي، والأحداث تؤكد ثابتتين في أداء باسيل، أولاهما عدم تأمين المصلحة، وثانيهما تأمين العداوات وهنا نجده قد حقق نجاحات هائلة بحيث لم يبق له أي صديق”. فهل هذه هي درب التسويات التي قد توصل الى الرئاسة الاولى؟ وهل يمكن لعهد أن يكون قوياً بمعزل عن حكومة قوية؟