استمر هجوم جبران باسيل على الحلفاء والخصوم، متجاوزاً كل السقوف التي كان وصل اليها التيار الوطني الحر سابقاً، لا لأن انعقاد جلسة الحكومة يشكّل خطراً وجودياً على المسيحيين كما يُحب أن يوحي، إنما لأنه شعر بابتعاد حزب الله عنه، وهو الذي لا يملك بديلاً عنه ليساعده في تحقيق طموحاته في الملف الرئاسي.
تدفع المواقف التي طرحها رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، أول من أمس، إلى طرح سؤال جوهري حول المرشح الرئاسي الذي من الممكن أن يوافق عليه، وبمعنى آخر، أي رئيس يريد جبران باسيل، لا سيما أنه يرفض الاسم المطروح من قبل قوى الثامن من آذار، أي رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، كما أنه يرفض الاسم المطروح بقوة على المستوى الدولي والإقليمي، أي قائد الجيش العماد جوزيف عون، بينما هو يسعى من خلال الخطوات التي يقوم بها إلى إحراق الاسمين معاً.
في هذا السياق، يراهن باسيل على الحوار مع بكركي من أجل استبعاد فرنجية من المنافسة، على أساس أن أي حوار مع «القوات اللبنانية» لا يمكن أن يقود إلى التوافق على اسمه حتماً، بينما يراهن على الحوار مع حزب الله من أجل إحراق اسم القائد عون، على أساس أن الحزب لا يعتبر قائد الجيش من المرشحين المفضلين لديه.
حول هذا الموضوع، هناك من يعتبر أن باسيل يدرك جيداً أن كل من فرنجية وقائد الجيش لن يكون الرئيس القادر على أن «يمون» عليه، بينما هو، بعد إنتهاء ولاية الرئيس ميشال عون لا يفكر، ما دام هو مستبعدا من دائرة المرشحين، إلا بمرشح يكون قادراً على السيطرة عليه، إنطلاقاً من معادلة تجيير التمثيل المسيحي الذي يملكه التيار له.
لا يهتم جبران باسيل باسم الرئيس بل بعلاقته به، فمن عاش مدللاً في قصر بعبدا في السنوات الست الأخيرة، لا يمكنه أن يعيش 6 سنوات جديدة خارج القصر بشكل كامل، فلا فرنجية ولا عون على علاقة طيبة مع باسيل، والاخير لم يقصر بمحاولة التضييق عليهما، سواء في السياسة، كما هي حال فرنجية، أو في قيادة الجيش، كما هي الحال مع جوزاف عون.
لأجل ذلك اتجه باسيل الى استعمال أسلحته الثقيلة في المواجهة، بعدما شعر أنه يخسر تحالفه مع حزب الله، وأبرز هذه الأسلحة هي الابتزاز السياسي، الذي لطالما كان باسيل حرّيفاً فيه بمواجهة حزب الله، فوضع اتفاق مار مخايل على الطاولة مجدداً، متحدثاً عن طعنة تعرض لها الاتفاق، وأن حزب الله لم يكن صادقاً مع التيار، وهو ما حاول باسيل تلطيفه في أكثر من مناسبة، بعدما ردّ الحزب على التيار في بيان علنيّ، يكاد يكون الاول من نوعه منذ سنوات.
أراد باسيل القول لحزب الله ان استمرار دعمكم لفرنجية دون موافقة التيار، يعني انتهاء اتفاق مار مخايل والحلف الاستراتيجي الذي يجمع الطرفين، داعياً الحزب للحوار لأجل الاتفاق على اسم آخر، ملوحاً بعدم إمكان الاستمرار طويلاً بخيار الورقة البيضاء، فهل يقتنع الحزب بأن وصول «تيار المردة» بات صعباً، وأنه من الأفضل الاتفاق مع باسيل على سم وسطي، قبل أن يشتد عود قائد الجيش الذي بدأ اسمه يتردد في الأروقة الدولية بشكل أكبر؟