Site icon IMLebanon

إستعجال باسيل المتهوّر مرة أخرى

 

مرة جديدة يفتعل وزير الخارجية جبران باسيل أسباباً جوهرية للخلاف مع رئيس الحكومة سعد الحريري، ويستبق أي قرار للجامعة العربية والحكومة في شأن الانفتاح على النظام السوري، ما اضطر الحريري إلى إصدار بيانه أمس، مذكراً إياه بسياسة النأي بالنفس وبأن البيان الوزاري للحكومة لم يتناول هذا الموضوع.

 

وإذا كان من الطبيعي أن تثير دعوة باسيل، الجامعة أمس الأول إلى إعادة سوريا إليها، ردود فعل سلبية من كتلة “المستقبل” وحزب “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، فإن الحجة القائلة إنه يثير موضوعاً خلافياً داخلياً، لا تقف عند استباقه المتسرع للإجماع اللبناني. الحاجة اللبنانية إلى الحد الأدنى من التوافق، في زمن يتطلب تجنب المواضيع الخلافية التي تعيق اتخاذ الإجراءات المطلوبة من الحكومة لإنجاز الموازنة والتوصل إلى الخطوات الإصلاحية لتفادي الانهيار الاقتصادي، باتت مسألة مصيرية. الخلافات السابقة ساهمت في تأخير كل ذلك وسببت ازدراء المجتمع الدولي للدولة اللبنانية، وتردداً في دعمها وخفضاً لتصنيفها الائتماني.

 

وفي وقت لا يتوقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن التكرار بأن الإنقاذ الاقتصادي يتطلب توافق الجميع على الخطوات المطلوبة وإبعاد الخلافات، ويردد الحريري أن الخلافات السياسية هي التي حالت دون تسريع الإنقاذ الاقتصادي، ما الحكمة في أن ينبري وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي إلى القول إن موقف باسيل يمثل لبنان خلافاً لبيان الحريري؟ فرئيس الحكومة هو من ينطق باسم الحكومة وسياستها وفق الدستور. هل يريد فريق الرئاسة افتعال معركة حول الصلاحيات مجدداً تؤدي إلى أزمة كما حصل مرات عدة في السابق، أدت إلى الالتهاء عن الانكباب على معالجة الأزمة الاقتصادية الداهمة بتجميد اجتماعاتها وتأخير تدابيرها؟ وفي حين تميل الأوساط المعارضة لموقف باسيل المتفرد في الجامعة العربية إلى اعتباره تسليفاً على الحساب لـ”حزب الله” ومحور الممانعة، وأنها ليست صدفة أن يأتي موقفه هذا غداة لقائه الأمين العام لـ “الحزب” السيد حسن نصرالله، فإن من يراقب ما يصدر من تصريحات في هذا الشأن لا بد من أن يسجل قول وزير “الحزب” محمد فنيش إن مسألة الانفتاح اللبناني على دمشق متروك لقرار تتخذه الحكومة. وهي تعتبر أن هذا دليل إلى أن باسيل يتولى الترويج لتوجهات بالنيابة عن “الحزب”، فينطق بما يريد، في إسراف منه بالتملق لقيادة الأخير ولدمشق.

 

يصبح الأمر تهوراً، أمام التعقيدات الإقليمية الكبيرة التي تحيط بعودة سوريا إلى الحاضنة العربية، على رغم وجود توجه بهذا المعنى لدى بعض الدول العربية، مع شبه الإجماع العربي على إدانة التوغل التركي في سوريا. وقد يكون على باسيل أن يتبصر قليلاً بالخلفيات الخلافية مع تركيا بين مصر ودول الخليج، وأنقرة، والتي تتناول الوضع الإقليمي برمته وليس سوريا وحدها، والتي تفسر موقفها من العملية العسكرية التركية.

 

وفي زمن يشهد الإقليم مواجهات عسكرية متفرقة، بدءاً بالخليج وصولاً إلى بلاد الشام، وحراكاً سياسياً متعدد الأوجه والأطراف، من محاولات إقامة حوار أميركي إيراني، وحوار خليجي إيراني، وروسي سعودي (زيارة فلاديمير بوتين للرياض)، فإن خيار إعادة سوريا إلى الجامعة العربية لن يكون معزولاً عن المشهد الإقليمي المتشابك المرشح للمقايضات. وحين تنطّح باسيل للأمر إبان انعقاد القمة الاقتصادية في بيروت مطلع العام، أفهم وزراء خارجية عرباً نظيرهم أن خطوة كهذه تحتاج إلى إنضاج، والمطلوب خطوات من دمشق لتسهيلها في الداخل وبالعلاقة مع طهران. فما الحكمة من إقحام لبنان في مسألة تخضع لتفاوض ومقايضات بين كبرى الدول، بينما يحتاج لبنان إلى التناغم مع الدول العربية كي تعينه على مواجهة أزمته الاقتصادية؟ وما الفائدة من إجهاض محاولات الحريري للإفادة من هذا الدعم؟