لا يبدو أن المملكة السعودية، المنهمكة في أزماتها، ستعطي جواباً للرئيس سعد الحريري حول ترشيح النائب ميشال عون، قبل ظهور نتيجة التوافق الداخلي. وبينما يحتاج الحريري إلى إقناع الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط بخياراته الجديدة، يحتاج عون إلى القيام بمبادرة تجاه عين التينة، التي تستهدف «سلّتها» الحريري قبل الجنرال
شهر أو أكثر على بدء الرئيس سعد الحريري مبادرته الرئاسية الجديدة، ومحاولة تسويقه دعم ترشيح رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، من دون نتيجة تذكر، حتى الآن.
ومع أن الكثير من المؤشّرات وصلت إلى فريق 8 آذار، مجتمعاً، تدلّ على جديّة الحريري في طرحه، لا سيّما بعد جولاته المحليّة الأخيرة و«استقتاله» للعودة إلى رئاسة الحكومة من بوابة التبادل مع 8 آذار في رئاسة الجمهورية، فإن أكثر من طرف في هذا الفريق، ومن بينهم مسؤولون في حزب الله، لا يزالون لا يثقون بجديّة الحريري ومدى قدرته على الإتيان بموقف، سلبي أو إيجابي، من السعودية تجاه مبادرته الجديدة، ويضعون تحركاته في سياق المراوغة وكسب الوقت، وتعميق التباينات داخل فريق 8 آذار.
لكن بصرف النظر عن نيات الحريري، يبقى أن الأخير يقوم في العلن باستمزاج آراء، محليّاً وإقليمياً، حيال نيته ترشيح عون، مع أنه لم يعلن (ولن يعلن) أي ترشيح رسمي لعون قبل ضمان نتيجة جولاته، وتأكّده من أن مبادرته الرئاسية الجديدة لن تلقى المصير ذاته الذي وصلت إليه مبادرة ترشيح فرنجية.
يعتبر حزب الله ترشيح الحريري لعون انتصاراً له بعد أن كان جعجع مرشّح المستقبل
وعليه، فإن جملة ملاحظات أمكن تسجيلها خلال الأيام الماضية حيال مبادرة الحريري، وردّ الفعل الذي يظهر حولها.
عاد الحريري ليل أوّل من أمس من موسكو، التي زارها بعد رحلته إلى السعودية ولقائه أكثر من مسؤول في المملكة، وعلى رأسهم ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، من دون أن يُفصح عن نتيجة زيارته. غير أن ما يراه «مراقبو» الحريري في حزب الله وحركة أمل أن السعودية لن تعطيه جواباً في الوقت الحاضر. ففي المرّة الماضية، حين باركت الرياض ترشيح فرنجية، ولم يسر حزب الله في الترشيح، ظهر وكأن السعودية قدّمت تنازلاً لم يتجاوب حزب الله معه، وبالتالي فإن السعودية الغارقة في اليمن وهموم أخرى لا تقارن بالملفّ اللبناني، لن تقدم على أي خطوة، سلباً أو إيجاباً، إلّا بعد اتضاح حصيلة مشاورات الحريري الداخلية، وضمان توافق الجميع على خيار ترشيح عون، قبل إعلان الموقف السعودي.
في المقابل، يلتزم حزب الله الصمت المطبق حيال التطوّرات، مع تأكيد مسؤوليه باستمرار دعم عون حتى النهاية. لكن حزب الله بدوره لن يعلن موقفاً جديداً، في انتظار أمرين: إعلان الحريري رسمياً ترشيح عون، وقيام عون بمبادرة تجاه عين التينة والرئيس نبيه برّي الذي يشكّل معبراً رئيسيّاً لوصول أي رئيس إلى قصر بعبدا. غير أن الحزب يعتبر وصول الحريري إلى مرحلة ترشيح عون انتصاراً كبيراً لخياراته وإصراره على مرشّحه، إذ كان رئيس حزب القوات سمير جعجع مرشّح الحريري قبل عامين، ثمّ تدرّج الترشيح إلى فرنجية، وأخيراً إلى عون. ولا ينتظر أحد من الحزب أن «يضغط» على حلفائه، وتحديداً برّي وفرنجية. فحزب الله ليس «الحزب القائد» لقوى 8 آذار، وتحالف برّي وفرنجية وغيرهما من القوى مع الحزب، هو تحالف استراتيجي كامل مع خيارات المقاومة والحرب السورية ووحدة لبنان، لكن لحلفاء الحزب هامشهم الكبير في الداخل اللبناني. وما يؤكّده مسؤولون في تحالف 8 آذار، بشكل دائم، أن الحزب لا يلعب بديلاً من الدور السوري السابق في لبنان خلال مرحلة ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
أمّا بالنسبة إلى برّي، الذي يظهر في الآونة الأخيرة وكأنه المعترض الوحيد على وصول عون إلى رئاسة الجمهورية، فإن «السلة» لا تعني تكبيل الرئيس الجديد بتفاصيل تنتقص من صلاحياته الدستورية، بل هي «السلة» نفسها التي طرحها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وهي نفسها فحوى طاولة الحوار التي هدفت في الأساس إلى تخفيف التباينات الكبيرة بين مختلف الفرقاء حول عناوين أساسية، مثل الحكومة وقانون الانتخاب، والتي قد تشّل العهد الجديد في حال عدم وجود ضمانات للاتفاق عليها مسبقاً. وهي، أوّلاً وأخيراً، «سلّة الثنائي الشيعي»، المطلوبة من الحريري، بشكل أساسي، وبشكل ثانوي من رئيس الجمهورية الجديد. وهي «السلة» ذاتها التي طرحها برّي حين رشّح الحريري فرنجية الذي لا يخفي رئيس المجلس اعتباره خياراً أوّل بالنسبة إليه قبل عون، كما اعتباره عون خياراً أوّل، في حال انحصار الخيارات بين عون وجعجع.
غير أن التوتّر المتراكم بين برّي وعون، وغياب الموقف السعودي من خطوة الحريري، أظهرا برّي وكأنه المعارض الوحيد، علماً بأن المعترضين على ترشيح عون كُثر، أوّلهم بري وفرنجية والنائب وليد جنبلاط وحزب الكتائب، وليس آخرهم، على الأقل، نصف نوّاب كتلة المستقبل، هذا إذا ما أُدخل جعجع في حساب الرافضين «الباطنيين» لترشيح عون، على ما يهمس به نوّاب ووزراء في تيار المستقبل و8 آذار. وعند برّي، «أسهل مئة مرّة أن يظهر وكأنه يعرقل وصول عون ويطالبه بالسلة، من أن يظهر أن الشيعة يزيدون من أزمة الحريري ويساهمون في كسره وإحباط جمهوره»، على ما يقول مصدر بارز في قوى 8 آذار لـ«الأخبار». ويقول المصدر إن «الحريري هو المحرج وليس الحزب أو برّي؛ ففي المرّة الماضية التي رشّح فيها فرنجية، ناقش رئيس «المستقبل» بري وجنبلاط في خياره، بينما هذه المرّة اتخذ خياراً أحادياً من دون العودة إليهما. وبالتالي، عليه أوّلاً أن يقنع هذا الثنائي، ومن ثمّ يبدأ البحث في أي خيار آخر». وإذا كانت «السلة» هي المطلوبة من الحريري أوّلاً، فإن المطلوب من عون لا يتعدّى التفاهم مع برّي والقيام بمبادرة تجاه عين التينة، لا أن يصل إلى مسامع برّي أن الوزير جبران باسيل ومستشار الحريري نادر الحريري اتفقا على توزير خمسة وزراء للتيار وخمسة وزراء للقوات اللبنانية ووزير لفرنجية ووزير للكتائب في العهد المقبل، وكأن ثنائيةً ما «تُرَكَّب» في الخفاء، فيما رئيس المجلس النيابي آخر من يعلم، في وقت يزيد فيه موقف جعجع برفض التفاوض على «السلّة»، في بكركي أول من أمس، من تعميق التباين بين بري وعون.