Site icon IMLebanon

«السلة»: أعطونا الجمهورية!

بين استدعاء حرب يوليو (تموز)٬ في عام ٬2006 وهذه الأيام٬ عشر سنوات ونيف من المحاولات الدؤوبة لإلحاق لبنان واستتباعه. مشروع ما كان ليتقدم أنملة لولا اليتم الذي ضرب المشروع الاستقلالي نتيجة ذهاب أكثر «القيادات» لتقديم كل ما هو خاص على الشأن الوطني٬ وانغماس هذه الأكثرية بنهج المحاصصة وفساده٬ وصولاً إلى تطويع القوانين لتغطية الموبقات.

«السلة» التي يرفع لواءها الرئيس نبيه بري٬ لم تبدأ مع بدعة طاولة الحوار. ففي عام ٬2006 وفي ظل الحرب٬ طرح وزير خارجية إيران على الرئيس فؤاد السنيورة المثالثة»٬ والطرح لم يكن أبًدا فرنسًيا٬ كما أُشيع٬ ولا أثير في اجتماعات «سان كلو». وجرت الإشارة إلى استحداث منصب نائب لرئيس الجمهورية٬ على أن يخصص للطائفة الشيعية؛ بمعنى آخر: زيادة حصة لحزب الله في السلطة. «المثالثة» إذن بديل عن المناصفة التي أرساها الطائف٬ وكرسها الدستور.

البقية معروفة. الطرح لم يمر٬ فجرى احتلال وسط بيروت٬ واعتكاف الوزراء الشيعة٬ وإقفال المجلس النيابي٬ وشغور رئاسة الجمهورية بعد انتهاء الولاية الممددة للرئيس إميل لحود٬ وصولاً لأحداث السابع من مايو (أيار)٬ ليتم فرض تسوية «الدوحة»٬ وأبرز ما تضمنته بدعة «الثلث المعطل» بيد حزب الله٬ وتكريس المنحى السوري المعروف٬ بتسمية الرئيس على أن يبصم النواب على الاختيار.

مرحلة ما بعد «الدوحة» هي المرحلة التي استمرأت فيها الطبقة السياسية تكريس حكم البلد من خارج الدستور٬ وأمعنت في التطبيق الاستنسابي للقانون٬ فكان التمديد اللاشرعي مرتين لمجلس النواب٬ وتطويب حقائب وزارية ووظائف كبرى للمحظوظين٬ إلى محاصصات بين أناس استأثروا بالمال العام. وحتى سنوات قليلة ماضية٬ كانت دول عربية شقيقة تتولى تغطية العجز الناجم عن هدر واردات البلاد٬ عبر ودائع لدعم الليرة٬ أو قروض ميسرة سخية تحفز الدورة الاقتصادية.

حين تعلن طهران أنها تسيطر على أربع عواصم عربية٬ بينها بيروت٬ وعندما يكون حزب الله الموغل في الحرب الإجرامية ضد الشعب السوري٬ كجزء من ميليشيات الحرس الثوري الإيراني٬ متسبًبا بأخذ لبنان عنوة إلى مكان ليس مكانه٬ يكون الثابت في مواقف الحزب وطروحاته هو البعد الإقليمي المرتبط بالهيمنة الإيرانية.

إنه القضم المتدرج للسلطة٬ كجزء من انقلاب متدحرج٬ يجري اليوم تسريعه لملاقاة مستجدات في الوضع السوري الميداني٬ الذي يهدد بعودة الوصاية٬ ويتعامل معها المحور الإيراني كثابت لن يتبدل. فيخرج الرئيس نبيه بري باسم الثنائية الشيعية٬ ليعلن بصراحة: لا رئاسة من دون «سلة»٬ و«السلة» شروط إذعان كاملة من تسمية «وكيل الولي الفقيه» اسم رئيس للبلاد٬ وتسمية رئيس للحكومة والحصص في الحقائب الوزارية٬ وشكل قانون الانتخاب.. وبعبارة أخرى٬ تعطونا الجمهورية٬ فنختار الرئيس وعدة العهد» الموعود!!

تصادر «السلة» صلاحيات رئيس الجمهورية٬ فهي لو فُرضت٬ سيتم بداية إلغاء حق الرئيس الدستوري في آلية تشكيل الحكومة٬ وشراكته في اختيار الوزراء٬ إلى فرض القانون الجديد للانتخابات عليه.. وُتغيُب قضية السلاح غير الشرعي الذي يتحكم بالحكومة والإدارة٬ ويعطل القانون والدستور٬ مما يعني رضوخ الرئيس لمسألة بقاء جيش رديف مواز٬ يحرس ويدير الكانتون الأكبر من خارج السياق العام للقانون. هذا مع التأكيد على أن هذه الإملاءات شيء ووضعها موضع التنفيذ شيء آخر٬ فرئاسة الجمهورية كانت وما زالت استحقاًقا إقليمًيا٬ مرتبًطا بوضوح صورة الحصص في الإقليم٬ وهي لم تكتمل٬ ولم تثبت بعد٬ ولنترك جانًبا الروايات المملة عن «أصحاب الحيثية الشعبية»٬ وتعداد أصوات نواب ليس بينهم من يمون على صوته.

التحدي كبير دون أدنى شك٬ والبلد في عنق الزجاجة٬ نتيجة لسياسات جهات لم تحترم التفويض الشعبي الذي حازته في الانتخابات النيابية٬ عندما اقترعت أكثرية اللبنانيين ضد السلاح غير الشرعي٬ وضد كل النهج الذي يدفع حزب الله البلد إليه. وعندما يترافق الترويج لـ«سلة» الرئيس بري مع إشارات عن «جمهورية ثالثة» ما بعد الطائف٬ وأحاديث مذهبية عما سمي زوًرا إعادة بناء «الميثاقية» (…) جاءت استدارة الرئيس سعد الحريري باتجاه النائب ميشال عون٬ الأقرب إلى طهران والمحور «الممانع» المثير لاضطرابات مفزعة في أكثر من بلد عربي (بعد ترشيحه السابق للنائب فرنجية الصديق الحميم لبشار الأسد)٬ وإن ­ كما يبررون ­ خوًفا من تمادي الفراغ٬ وحرًصا على إنقاذ البلد والمؤسسات… إلخ. وذلك بعد أشهر من تبني د. جعجع ترشيح النائب عون٬ ليظهر الرضوخ لاشتراطات حزب الله٬ مع ما يعنيه ذلك من قبول واقعي بإسقاط الطائف

والدستور وكل النظام البرلماني٬ ووضع لبنان بمواجهة مع المحيط العربي الحقيقي الذي ساهم على الدوام بتوفير إمكانات حفظت دوره وتنوعه والمثال الذي قدمه. أكثر من  ذلك٬ فإنه بفضل المشهد السريالي للثنائي جعجع ­ الحريري٬ نجح حزب الله في أن يكون له مرشحان٬ هما فرنجية وعون٬ وأن يقرر مع محوره الخارجي ساعة تعيين الرئيس. وهنا٬ يظل السؤال المطروح: هل نجح حزب الله في اكتساب حليفين ولو غير مباشرين؟

إن استدارة الحريري٬ بعد اندفاعة جعجع٬ تهدد بوضع اليد على الموقع الدستوري الأول في البلد٬ وتطلق يد حزب الله لإنهاء الجمهورية٬ مما يحتم على اللبنانيين المتضررين٬ وهم الأكثرية٬ إيجاد الأطر والوسائل لرفع التحدي٬ لحماية الجمهورية وصيانة النظام البرلماني. هنا٬ يكمن المشروع السياسي الذي يحول دون تسليم البلد٬ لأن أمر إلحاق لبنان أكبر بكثير من أن يأخذه إليه شخص٬ حتى لو كان الرئيس الحريري أو سواه.

إن الحفاظ على البلد٬ ومنع تفككه٬ هو أولوية لأنه إذا نجح مشروع ترئيس النائب عون٬ صاحب التاريخ في حروب الخراب والدمار٬ والملتحق بمشروع الهيمنة الإيرانية عبر «اتفاق التفاهم» مع حزب الله٬ فإن في ذلك تأسيًسا لعودة الحرب الأهلية٬ ولو بعد حين. البديل اليوم مقاومة سياسية٬ حيث تتوفر الإمكانية٬ قد تبلور شكلاً لجبهة إنقاذ وطني ستجد دعًما شعبًيا تؤكده التحركات الاحتجاجية المختلفة٬ والقطيعة مع أكثر أطراف الطبقة السياسية٬ وتستند إلى الموقف المتقدم الذي اتخذته بكركي٬ دفاًعا عن الدستور والجمهورية و«صلاحيات رئيس ذي كرامة»٬ وهو الموقف الشبيه بموقف البطريرك صفير قبل ست عشرة سنة بوجه الوصاية السورية.