لم تكن «سلة» رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري التي تتضمن سلاح حزب الله، «طبقا» رئيسيا على «مائدة» وفدي الحوار الثنائي بين حزب الله وتيار المستقبل في عين التينة، وفد «التيار الازرق» يعرف ان ما نطق به «زعيمه» غير قابل للنقاش او الصرف، وهو وصفة «سامة» لافساد «طبخة» الحوار. لم يكن وفد الحزب ايضا في وارد تضييع وقته على نقاش في غير مكانه وزمانه، الوفد الاخر لا يملك من المعطيات ما يسمح له بوضع هذا المقترح على «الطاولة»، ولا يملك جوابا واضحا حول ما اذا كان الحريري يقصد ما يقول، ام انها مجرد «زلة لسان» تشبه مغامرة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، «المهتم» ايضا بمصير سلاح المقاومة، عندما اعلن من خارج السياق، أن إسرائيل أغارت عشرات المرات على قوافل تنقل السلاح من سوريا إلى «حزب الله». وهو اعلان بمثابة إفشاءً لسر عسكري في ظل ما اعتمدته إسرائيل من سياسة «الغموض» تجاه هذه الغارات. فهل تقصد الحريري ايضا افشاء سر ما بين يديه؟
هذه المقاربة تجدها اوساط قيادية في 8آذار ضرورية لمحاولة فهم مخاطر «هفوات» رئيس تيار المستقبل، ففي اسرائيل اعتبر معظم المحللين ان سياسة «الغموض» الإسرائيلية تجاه الهجمات في سوريا، كانت ترمي إلى تحقيق الهدف الميداني بمنع وصول الأسلحة الى حزب الله، ولكن عدم الاعتراف بذلك يقلص ايضا «الإهانة العلنية» للعدو، سواء كان سوريا أو «حزب الله»، وبالتالي تقليص احتمالات رده، والسؤال المطروح هل نتنياهو قرر كشف السر نتيجة لمداولات معمقة في المؤسسة الأمنية، أم أنه كشف السر عرضاً؟ وهل يريد نتانياهو احراج الحزب لدفعه للرد؟ هذه التساؤلات تنطبق ايضا على عودة الحريري الى «نغمة» سبق «وعزفت» في لبنان، وادت الى نتائجه كارثية، وتم الاتفاق على احالتها الى لجـــنة الحوار الوطني لتكون جزءا من الاستراتيجية الدفـاعية، فما الذي تغير؟ وهل يريد الحريري مرة جديدة «احراج» حزب الله «لاخراجه» والعودة بالعلاقة الى مرحلة «الصدام»؟ واذا كان تصريح رئيس الوزراء الاسرائيلي، برأي الكثير من المتابعين للشأن الاسرائيلي «مثير للعجب»، فان كلام الحريري الباحث عن موقع على رأس السلطة التنفيذية، مثير «للريبة»، ويعيد الى الاذهان سؤال طرحه عليه يوما المستشار السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين خليل… عندما قال له هل هكذا «تورد الابل»..؟
واذا كان كلام الحريري غير قابل للصرف لبنانيا، فان «العجب» قد يبطل عندما يعرف «السبب»، وبراي اوســـاط دبلوماسية في بيروت، فان الغرض من «الرسالة» هو خطب ود القيادة السعودية و«دغدغة» مشاعرها، في ظل «الجفاء» السائد حاليا، نتيجة القرار السعودي بـ«الخروج» المؤقت من الاستثمار في الساحة اللبنانية، فرئيس تيار المستقبل، يرصد الحراك السعودي المتسارع تجاه مصر، وتركيا، والاردن، ثمة احتضان سعودي على درجة كبيرة من الاهمية لهذه الدول يوازيه تخل غير مسبوق عن الساحة اللبنانية، الرياض تعـمل على «الخروج» من «النفق» اليمني، مررت قبل مدة بـالاتفاق مع تركيا، اسلحة «نوعية متطورة» للمجــموعات المسلحة السورية، وتتجه لتعزيز علاقاتها مع الاخوان المسلمين، وثمة «طبخة» يعمل عليها «لرأب الصدع» بين مصر وتركيا، عنوانها تخفيف الضغط عن الإخوان المسلمين في المنطقة مقابل التزامهم «بقواعد اللعبة» الجديدة…
هذه «القواعد» ليس للحريري مكان فيها حتى الان، الأمير محمد بن سلمان «مهندس» الاستراتيجية السعودية الجديدة، لديه موقف شخصي معاد له، وخلال الساعات القليلة الماضية قام بالتوازي مع زيارة والده الى مصر بزيارتين خاطفتين الى الاردن وابو ظبي، بدء تنفيذ هذه الاستراتيجية عبر استثمار ما يقارب 200 مليار دولار في تطوير «صناعات حربية وعسكرية»، ثمة قناعة سعودية بان الولايات المتحدة لم تعد شريكا يمكن الاعتماد عليه، ولذلك اتخذ قرارا بالإنفتاح على روسيا «وباكورة» التفاهم «الموضعي» الاتفاق مع موسكو على رفع أسعار النفط إلى 80 دولاراً، وفي مقابل الدعم السخي لمصر، تتجه السعودية، لتطوير التحالف الاقتصادي والعسكري والامني مع الاردن، والشق الاخير مهم للغاية، ولا يخفى على احد خبرة واهمية الاستخبارات الاردنية ودورها في المنطقة، فهي تشبه بأسلوب عملها وجودتها الاستخبارات الاماراتية، وهذا يضع اكثر من علامة استفهام حول الدور المطلوب منها، وفي اي ساحات سيجري تشغيلها؟ خصوصا بعد القرار السعودي بالتراجع عن «الاستثمار» في الاجهزة الامنية اللبنانية!.
والاخطر من هذا التخلي السعودي، وجود منافسين جديين على الساحة اللبنانية لتيار المستقبل، تقول الاوساط فاذا ما نجحت المملكة باعادة «تلميع» صورة «الاخوان»، وجرى تطويعهم من جديد لخدمة «المشروع» السعودي، فان مكانتهم ستتعزز على مستوى المنطقة، بما فيها الساحة اللبنانية، وفي هذا السياق تبدو المؤشرات مقلقة، فالرياض نسجت علاقات جيدة جدا معهم في اليمن، وتعيين اللواء علي محسن الاحمر نائبا للرئيس اليمني، مؤشر على وصول الامور الى تفاهمات عميقة بين الجانبين، وعلى الساحة الفلسطينية ادى الضغط السعودي الى بداية نوع من التفاهم بين مصر مع «حركة حماس»، وثمة اتجاه لتخفيف حدة المواجهة المفتوحة بين «الاخوان» والنظام المصري، اما في لبنان فلا يحتاج الامر الى الكثير من العناء، فالعلاقة اكثر من ممتازة مع الجماعة الاسلامية، «الفرع اللبناني للاخوان»، وقد كان لافتاً للنظر، الموقف الذي اتخذه الامين العام الجديد لـ «الجماعة» عزام الايوبي والذي اعتبر فيه ان «حزب الله» يتحمل مسؤولية تصنيفه من قبل مجلس التعاون الخليجي منظمة إرهابية «لأن ما يقوم به يضعه بشكل صريح في خانة ميليشيا إرهابية تحاول فرض رؤيتها عبر السلاح». كما لم ينس الايوبي تحميل الحزب مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية واصفا الحزب بانه جزء من منظومة ايران في المنطقة… طبعا موقفه متقدم جدا على موقف تيار المستقبل..؟ بهذا المعنى يريد الحريري مواكبة المشروع السياسي السعودي الذي ينمو ويتحرك في المنطقة، ثمة من يزايد عليه في الموقف على الساحة اللبنانية، يريد ان يحجز مقعدا في «السفينة»، بينما لا تلحظ الاستراتيجية السعودية اي مكان له، ولذلك يحاول من خلال تصريحاته «التذكيرية» القول للسعودية انني ما زلت هنا ويمكن الرهان على اذا ما توافرت الظروف المناسبة «للمواجهة».
في الخلاصة، كلامه كما كلام نتانياهو ليس مجرد «زلة لسان»، هو «مغامرة» لكنها غير قابلة للصرف على ارض الواقع، فكشف «السر» الاسرائيلي لن يغير في استراتيجـية المقاومة لجهة التعامل مع هذه الخروقات الاسرائيلية، في المكان والزمان المناسبين، كما انه لن يمنع دخول اسلحة «كاسرة للتوازن» يعرف رئيس الحكومة الاسرائيلية انها باتت في مخازن حزب الله. في المقابل يدرك الحريري ان كلامه لن يغير في الوقائع شيئا، الـنقاش حول سلاح حزب الله يتجاوز «حجمه» السـياسي، سواء نال الرضى السعودي او استمرت الممـلكة في تجاهله، يعرف جيدا ان تأثيره في هذا الملف «منعدمة»، عندما طرح السيد نصرالله «الــسلة» كان يقدم له «جائزة» ترضية، وكان يحاول «دغدغة» مشــاعره ورغباته للعودة الى رئاسة الحكومة علّ الامر ينجح في كسر «الفيتو» السعودي على الانتخابات الرئاسية، الحزب ليس مغرما «بالسلة» فهي لا تفيده بشيء، وهذا ما يجعل الربط بين «السلتين» مثيرا «للسخرية»، وان كان من نصيحة للحريري في هذا السياق، فهي ببساطة عدم استخدام اداة خاطئة لاستجداء «العطف» السعودي، والبحث عن بدائل آمنة لا تسبب الاذى لصاحبها…في المقابل لا يجب التقليل من «النوايا» السعودية «المبيتة»…