اعربت شخصية سياسية مسيحية عن أسفها لرؤية رئيس مجلس النواب نبيه بري، ينزلق شيئاً فشيئاً من حياديته واعتداله، وانفتاحه ليتموضع بعد هذا العمر الطويل على رأس المؤسسة التشريعية، وفي العمل السياسي، في خانة الكيد والنكايات والتحامل على المسيحيين ومصالحهم وحقوقهم ووجودهم، في مؤسسات الدولة وخارجها، وفي عرقلة المشاريع والقوانين والتدابير التي تعنيهم، والشواهد على هذه السياسة اصبحت معروفة من الجميع، وهي تثير الاستغراب في الوسط المسيحي الذي كان ينظر الى برّي على أنه ضمانة لاستمرار صيغة العيش المشترك بين اللبنانيين، وخصوصاً في المناطق والقرى التي يتشارك العيش فيها المسيحيون والشيعة، وتعتبرهذه الشخصية، ان مواقف برّي المستجدّة، قد تكون نتيجة خلافه السياسي مع بعض القيادات السياسية المسيحية، بحيث تنعكس على الناس العاديين وعلى مصالحهم، لكن كل ما جرى سابقاً ليس بشيء بالنسبة الى هذه الشخصية، امام موقف بري من استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، حيث يتحمّل قسطاً لا يستهان به من مسؤولية تعطيل هذا الاستحقاق، عندما رفع الجلسة مباشرة بعد دورة الانتخاب الاولى، ولم يتركها مفتوحة كما كان يفترض دستورياً، الى ان وصلنا الى هذا الوضع المأسوي بين تعطيل وفراغ ومناورات، اصبح عمره سنتين ونصف السنة، والسؤال الذي يطرحه المسيحيون دائماً، على غيرهم، وبين بعضهم بعضاً، لماذا لا تتعثر الاّ الاستحقاقات المتعلقة بالمسيحيين، والاستحقاقات الأخرى تأخذ طريقها الى الحل فوراً، أو بعد فترة زمنية قصيرة.
* * * *
من هذا السؤال تدخل الشخصية المسيحية مباشرة الى المستجدات الاخيرة المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي، والحراك الذي بدأه رئيـس الحكومـة الأسبق سعد الحريـري لفتح ثغـرة في الجمود القـاتل الذي يرافق هذا الاستحقاق منذ يومه الأول، ليبدي استغرابه واستهجانه لموقف الرئيس بري، ليس لأنه يؤيد ترشيح النائب سليـمان فرنجـيه، وهذا حق من حقوقه التي لا ينازعه فيـها احـد، بل لأنه يفرض سلّـة شروط مسمومـة، تحـمل في داخلها، اهانة وتحقيراً واستهانة، ليس بحق المرشحين جميعهم فحسب، بل بحق الموارنة اولاً والمسيحيين ثانياً، واللبنانيين ثالثاً، سلّة تفـرض على المرشح التنازل عن حقه في تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلّف، والقبول بأن يشاركه في هذا الحق، صاحب فكرة السلّة وحلفاؤه، والاّ لا انتخابات رئاسية ولا «بلوط»، اكثر من هذا، سلّة تفرض على المرشح وعلى رئيس الحكومة، التفاهم مسبقاً مع «جماعة السلّة» على من يحـقّ له ان يكون في هذا المنصب او في هذه الوزارة، ومن لا يحقّ له، وتردد الشخصية المسيحية ما سمعته بـالاعـلام انه ممـنوع على حزب القـوات اللبنانـية ان يتسلّم حقيبـة الدفاع والداخـلية، او منـصب قيادة الجيش، وان الـهدف من السلة هو «تركيع» العماد ميشال عون، «يا محلا جمـهوريـات الموز» تردد الشخصية بينهـا وبين نفسها بحزن ومرارة، وتستطرد: هل يقبل برّي ان تفرض عليه سلّة قبل انتخابه رئيساً لمجلس النواب، ومن يجب ان يعيّن في ملاك مجلس النواب، وكيف يجب ان يدير جلسات المجلس؟؟ هل يقبل رئيس الحكومة ان يفرض عليه كيف يجب ان يدير الادارات الكثيرة التابعة له، وجلسات مجـلس الوزراء، وماذا عليه ان يقدّم من مشاريع وقرارات وماذا يجب ان يخفي او يؤخر؟ لماذا التصرف بهذه الدونية وهذا الاستعلاء، ولا يترك للدستور والقوانـين ان تكون المرجـع والراعي والموجّه.
تنهي الشخصية السياسية المسيحية موجة غضبها بالتأكيد على أنه من المستحيل ان يبقى لبنان موحداً، طالما ان هذه العقلية القائمة على التهديد والوعيد والهيمنة قائمة ومستمرة.