«بهذا الدستور وبهذا النظام وبهذا الطائف وبالآليات الدستورية المعتمدة».. لعلها العبارة الأبلغ إنباءً في دعوة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله إلى «تسوية وطنية شاملة» رئاسية وحكومية ونيابية، لما تختزنه من مؤشرات ومعطيات على قدر كبير من الدلالة والبيان على المستويين السياسي والوطني.
إذا كانت دعوة نصرالله بحد ذاتها مفصلية في هذه المرحلة ربطاً بدلالاتها الجيوسياسية، غير أنها تصبح تفصيلية في مضامينها أمام ثقل تموضعها تحت سقف اتفاق الطائف الناظم للحياة الوطنية اللبنانية. هنا الحدث ومكمن أهمية مغازيه على غير صعيد وازن في «سلة» التسوية المنشودة.
ففي الشكل، عكست الدعوة مقداراً لا لُبس فيه من قناعة مستجدة لدى «حزب الله» بالحاجة الملحّة إلى عقد صفقة لبنانية – لبنانية تلاقي عند منتصف الطريق «خارطة الطريق» التي سبق أن رسمها الرئيس سعد الحريري انطلاقاً من القناعة الراسخة بضرورة لبننة الحلول للخروج بالبلد من أزماته المؤسساتية المستعصية، مع فارق الأولوية الرئاسية لدى الحريري، باعتبارها تجسد مفتاح الحل والربط في الجمهورية، والمدخل السليم لإعادة انتاج السلطة تنفيذياً وتشريعياً.
أما الجوهر الكامن في متن عبارة الالتزام بسقف الدستور تجاه «التسوية الوطنية السياسية الشاملة»، ففي حناياه مراسم تأبينية جليّة تنعى مشروع المؤتمر التأسيسي الانقلابي على وثيقة الوفاق الوطني، تسليماً باستحالة استنهاضه والتأسيس عليه في هذه المرحلة الحساسة من عمر الوطن.
وفي الجوهر أيضاً، لا ريب أنّ تعهّد نصرالله التزام «الآليات الدستورية المعتمدة» في التسوية المقبلة، إنما يختزن ما قلّ ودلّ من المعاني المطمئنة لهواجس الخصوم والمبددة لآمال الحلفاء، خصوصاً منها تلك المعقودة في «الرابية» على إمكانية تعديل الدستور وآلياته الخاصة بالانتخابات الرئاسية من برلمانية إلى شعبية. وإذا ما اقترن تعهد نصرالله بقول نائبه الشيخ نعيم قاسم: «التسوية فيها تنازلات ومكاسب أي علينا أن نتنازل مقابل أن نربح»، فحدّث ولا حرج عن مقدار الحرج الذي ينتظر «حزب الله» حين يحين موعد «التنازلات»، خصوصاً وأنها مقتصرة في شقها الرئاسي على تنزيلات بديهية في بورصة الترشيحات التي لا يزال يتربع على سقوفها العالية مرشح «حزب الله» العماد ميشال عون حتى إشعار تسووي آخر.
«سلة» نصرالله تحمل في طياتها قراراً مركزياً عابراً للحدود من طهران إلى بيروت، إيذاناً بمغادرة المكابرة والانتقال من منظومة «وحدة المسار والمصير» إلى استراتيجية فصل المسار اللبناني عن المصير السوري، لاستلحاق ما يمكن استلحاقه من مكتسبات سياسية لبنانية بعد التيقّن من فشل الرهان على «تقريشها» عسكرياً عبر البوابة السورية، سيما وأنّ القناعة تتعزز يوماً بعد آخر بتعثر المشروع الإيراني في بلاد الشام، وبتعذر تحقيق أهدافه أمام سطوة «الدب» الروسي وخطواته المتقدمة باتجاه حقل التسوية الكبرى مع العرب والغرب.
القيصر فلاديمير بوتين في طهران الاثنين للقاء المرشد علي خامنئي. مباحثات متكافئة بين الجانبين في ميزان التعاون النووي والنفطي والغازي، أما في سوريا فالفارق كبير كبير «فرق السما عن الأرض» بين «سوخوي» القيصر و«حرس» المرشد.