في خضم الأوضاع المقلقة إقليمياً وداخلياً، وعلى رغم من تعقيدات ملف النزوح السوري ومشكلات البلديات المنحلّة وتلك المتعثرة و»الواقفة على رجل ونصف»، وعلى رغم من التحدّيات الداخلية واللوجستية والمادية التي تواجهها المديرية العامة للأمن الداخلي، يستقبلك وزير الداخلية بسام مولوي بابتسامة أمل وثبات، فيبدو واثقاً من ثبات لبنان «اللامتغيّر» بحسب تعبيره ! إذ لا شيء في حديث الوزير الشاب يبعث على القلق، والواثق من تعافي لبنان وعودة العناصر الفارّة من السلك الأمني إلى ربوع المؤسسة، والذي يأمل في مستقبل واعد ينتظر اللبنانيين.
اما اللافت، فهو ثقة الوزير بأنّ التسوية آتية حتماً، وانّ لا حرب في الأفق على رغم من السقوف العالية والتهويل، هذا بالنسبة الى مستقبل البلد، اما عن مستقبله السياسي، وفي ما إذا كانت ولايته في الداخلية ستطول، فيجيب مبتسماً: «آمل ان يتمّ انتخاب رئيس جمهورية في اقرب وقت، فهذا هو الأهم بالنسبة الينا وليس المراكز». وعمّا إذا كان طموحه لرئاسة الحكومة قائماً في العهد المقبل بعد إنجاز الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً ان علاقته تشهد تحسناً ظاهراً مع كافة الاطراف في المرحلة الحالية، يقول مولوي: «طموحي ليس شخصياً، ولا انظر الى الغد بمنظار خاص بل بمنظار عام. وانا جاهز للعمل من اجل البلد اينما كنت وفي كل المواقع التي استطيع من خلالها إحداث فارق أو تحقيق الافضل إن كان للمؤسسة الأمنية او للبلد».
من الطبيعي ان يبدأ الحوار مع مولوي عن الخطة الأمنية وعن العقبات التي تواجهها العناصر الأمنية في استكمال تطبيق الخطة الأمنية الخاصة بالنازحين السوريين، فيقول لـ«الجمهورية»، أنّها انطلقت مع ازدياد عدد الجرائم. اما عن التوقيت فيقول: «انّ حاجة الناس هي التي حدّدت التوقيت وضرورة أن يعتاد المواطن على تطبيق النظام وأن يهاب القوى الأمنية التي يجب ان تثبت وجودها في الشارع وفي الزمن الذي يتعطش المواطن إلى وجود الدولة، وبالتالي فمديرية الامن الداخلي مستمرة في تطبيق الخطة الأمنية التي ادّت الى انخفاض كبير في عدد الجرائم وفي كل لبنان، ولهذا تلمّسنا فعاليتها، خصوصاً انّ تطبيقها ادّى في فترة معينة الى عدم وقوع اي جرائم في مدينة بيروت. اما بالنسبة الى خارج بيروت فهناك ارتياح الى الخطة الأمنية»، بحسب مولوي «على رغم من بعض التظاهرات الاحتجاجية. وقد ازلنا الأسبوع الفائت كثيراً من المخالفات، ومثلما تضايق المخالفون ارتاح النظاميون واهل البلد».
اما بالنسبة الى تدخّلات بعض الشخصيات او الجهات السياسية لمصلحة «فلان او علاّن» فيقول مولوي: «انّها لا تسري معنا. وانا شخصياً لم اتلق اي توصية او تدخّل من اي جهة. اما العناصر فهم يضعونني في الصورة في حال حصل اي تدخّل من أي جهة كانت، وتوجّهاتنا واضحة لا تخاذل في تطبيق القانون، وهو الحل الذي يريح الجميع. فلا معوقات لدينا بالنسبة إلى مدينة بيروت سوى انّها تشهد ضبط أعداد كثيرة من الدراجات النارية المسروقة، لأنّ وضع البلد لم يعد يتحمّل. فنحن نطبّق الخطة الأمنية بالتعاون مع البلديات والامن العام، وهي حتى الساعة تشكّل الحل الأنسب».
عن الوضع في الجنوب يقول مولوي: «انّ القوى الامنية والجيش اللبناني يقومان بواجباتهما على اكمل وجه في الجنوب، وذلك بمؤازرة الاهالي والدفاع المدني».
وينوّه مولوي بجهود الجيش في الجنوب ويقول: «في النهاية نحن نعلم أن لا خلاص للبلد سوى بجيشه الوطني، سواء في الجنوب او غيره. وطبعاً نحن نحرص على سلامة الأمنيين المتمركزين على نقاط الحدود البرية، وقد اتخذنا منذ اشهر التدابير اللازمة لحمايتهم، وكذلك المخافر على الخطوط البرية والبحرية».
السجون
وعن الاكتظاظ في السجون، يكشف المولوي «انّ وعد الاتحاد الاوروبي بتنفيذ مشاريع من ضمنها بناء سجون جديدة لتخفيف نسبة الاكتظاظ لم يتحقق، وقد تمّ تجيير التمويل للنازحين السوريين، وقد خفّ بمقدار كبير بعد ازمة اوكرانيا، ولذلك لم نتمكن سوى من بناء مركز لتأهيل الأحداث في الوروار وهو سجن نموذجي». (جدول رقم 2)
يخالف وزير العدل!
في السياق، خالف مولوي تصريح وزيرالعدل هنري خوري عندما قال في إحدى المقابلات التلفزيونية انّ من أبرز الأسباب التي تعوق تسريع المحاكمات هو تأخّر عملية «سوق الموقوفين» وتعطّل الآليات العسكرية. ويكشف لـ»الجمهورية» انّ موازنة 2024 أحدثت فارقاً ايجابياً نسبة الى موازنة 2023 بالنسبة الى التشغيل، وبالتالي ارتفعت موازنة المحروقات بنسبة كبيرة، ولذلك تؤمّن قوى الامن الداخلي سوق الموقوفين الى كل المحاكم لتصبح، وتحديداً الشهر المنصرم، على الشكل الآتي: (جدول 3)
عن الإكتظاظ والارقام، يكشف مولوي انّ نسبة المحكومين في السجون تتعدّى نسبة 80%من عدد الموقوفين، وهذا سبب كبير للاكتظاظ. ولذلك ليس صحيحاً ما يُقال في وزارة العدل انّ العناصر الأمنية لا تؤمّن سوق الموقوفين، وأنّ سبب تأخير المحاكمات هو تراكم الملفات في وزارة العدل لأسباب كثيرة، وليس سراً انّ التأخير ناتج من هذا التراكم. ولذلك المطلوب اليوم، بحسب مولوي، هو تحضير قانون يقلّص عدد الجرائم. كاشفاً انّ عدد السوريين الموقوفين في لبنان منذ بداية الأزمة حتى اليوم بلغ 75 الف موقوف، لا يزال 3 آلاف منهم موقوفين. فيما لم تُستكمل ملفات البعض كلياً، ولذلك يجب عدم الاستهانة بهذا العدد من الملفات التي ضاعفت اعمال القضاة، بالإضافة الى ملفاتهم المتراكمة اصلاً بسبب الأزمات المتتالية التي لحقت بالبلاد بدءاً بكورونا وصولاً الى الازمة المعيشية. فالوجود السوري أحدث ثقلاً كبيراً بالنسبة الى القضاء والبنى التحتية والكهرباء وسوق العمل وعلى الدعم الذي يقدّمه مصرف لبنان…
ويضيف مولوي: «لا اقصد بالطبع رمي الاتهام على القضاة. فأنا في الأساس قاض وأدرك مدى الضغط الذي تسبّبه الملفات المتراكمة على كاهلهم، انما المسؤولية يجب تحمّلها معاً والتعاون من اجل حلحلة هذا الملف. وادعو بالعافية لكل قضاة لبنان». (جدول رقم ١)
وعن البلديات والاحزاب والمرشحين الثلاثة، يقول مولوي: «اولوياتنا في الوزارة تأمين استمرارية عمل القوى الامنية وتجهيز عناصر الامن الداخلي والامن العام وتنفيذ الخطة التي اتفقنا عليها في الحكومة بمشاركة الامن العام وموآزرته لتجنّب الاكتظاظ السوري والتشدّد في شروط الاقامة بالنسبة الى النازحين السوريين، ويهمّنا تأمين الطبابة والتجهيزات لتلك العناصر لكي تتمكن من القيام بواجباتها في حفظ الامن. إذ لا يمكن لأي دائرة من دوائر الدولة الاستمرار اذا لم تكن القوى الامنية موجودة معها. اما بالنسبة الى الانتخابات البلدية، فنحن كنا وما زلنا جاهزين لها، انما اتضح انّ كافة الاحزاب لا تريدها، وليس هناك جدّية في التعاطي معها، والدليل انّ 3 اشخاص فقط على مستوى لبنان ترشحوا لهذه الانتخابات!».
الفارون من الخدمة
وعن الأمنيين الفارين من الخدمة، يقول مولوي: «انّ عدداً من العناصر يغادرون سلك قوى الامن الداخلي وفي المقابل عاد آخرون، وهناك من يحاولون التوسط لتسوية ملفاتهم في القضاء تمهيداً للعودة. إذ انّ هؤلاء العناصر الذين لجأوا الى الفرار سيحالون وفق الاصول القضائية الى المحاكم العسكرية لدرس اوضاعهم قبل الموافقة على عودتهم مجدداً الى الخدمة في السلك الامني، في انتظار حكم المحكمة العسكرية». وقال: «في النهاية سيتأكّد اللبنانيون من أن ليس لنا من يروينا سوى في بلدنا، وانّ قيمتنا هي بانتمائنا إلى هذا البلد ومؤسساته، ولو جلنا العالم فلن نلقى مثل لبنان معقلاً، فيجب علينا تخفيف «النق»، فاللبناني ينتظر في طوابير في الخارج، ولكن هنا يحتج اذا انتظر 10 دقائق اضافية في طابور المطار!».
وهل هو مستمر في عمله في الوزارة؟
يجيب مولوي مبتسماً: «اتمنى انتخاب رئيس اليوم قبل الغد. ولا اعلم كم ستطول الازمة، فنحن منذ 2022 نصرّف الاعمال ونقوم بواجباتنا بما يمليه علينا ضميرنا والمصلحة العامة لحفظ مؤسساتنا. اما العائق لإتمام الاستحقاق الرئاسي فهو بالتأكيد عائق داخلي، فإذا قرّرنا إتمام الانتخابات الرئاسية فلا احد سيمنعنا».
وعن الإنجازات، يقول مولوي انّها «كثيرة» ويعدّدها ومنها: الانتخابات النيابية، تثبيت متطوعي الدفاع المدني، افتتاح سوق الخضار في طرابلس. ويقول: «ما نرغبه اليوم هو تعزيز دور قوى الامن الداخلي في كل لبنان وتعزيز اوضاعها لنتمكن من الحفاظ على الشبان الذين ما زالوا على استعداد للعطاء، على رغم من المشكلات المتعددة في البلديات المنحلة والتي تبلغ نحو 1000 بلدية».
وعن الحرب، يرى وزير الداخلية «انّ لبنان يعيش عملياً حالة حرب، انما الحرب الشاملة ممنوعة وفق المعلومات التي توفّرها المصادر الديبلوماسية حتى الساعة لوزارة الخارجية، الّا انّ الحرب النفسية قائمة ايضاً، لكن إرادة الحياة التي يتمتع بها اللبنانيون ستمكّنهم من تجاوز الأزمة كالعادة، والدليل انّ مطار بيروت «مكتظ ايضاً…! من كتر العالم».
وعندما سُئل مولوي عن طموحه للوصول الى رئاسة الحكومة، ضحك واجاب: «هذا الامر يدغدغ فقط مشاعر الموارنة، وهي مشاعر بالفطرة لديهم، اي عند ولادتهم خصوصاً عندما يكون العنوان «الكرسي الرئاسي». الّا انّ الأمرلا ينطبق على سائر الطوائف، بمعنى انّ «يلي عند الموارنة منّو عند حدا «. فالدغدغة المارونية موجودة في الجينات. اما بالنسبة اليّ فأنا اقوم بواجباتي كاملة ومواقفي واضحة مع الجميع واتعاطى في شكل مسؤول ومتعاون سعياً لوحدة الصف ولوحدة اللبنانيين، وجاهز لخدمته في اي موقع وحيث لا يجرؤ الآخرون. وشخصياً اتطلع الى ان يكون البلد افضل في المستقبل، ولا اتطلع كيف سيكون مستقبلي الشخصي افضل».