Site icon IMLebanon

باسل فليحان .. 12 عاماً والحرقة تتجدّد

في الذكرى الثانية عشرة على غيابه، يبقى الوزير الشهيد باسل فليحان متربعاً على عرش البقاء وفي أذهان كل الذين احبّوه وتعرّفوا اليه عن كثب، لكن تبقى الصداقة المميّزة والأبدية، هي تلك التي جمعته بالرئيس الشهيد رفيق الحريري والتي تكلّلت بشهادة برتبة وطن مجروح، مع فارق بسيط في الأيّام إذ ظل يُعاني من الجراح والحروق لمدة 64 يوماً عقب جريمة العصر، إلى أن أسلم الجسد في الثامن عشر من نيسان في مستشفى بيرسي العسكري في باريس، لكن ظلّت الروح تُذكّر برجالات لهم بصمة في كل ميدان علمي وسياسي.

حلّت ذكرى الشهيد باسل فليحان أمس، بالتزامن مع مرور ذكرى الجمعة العظيمة. قيامة دينية كان ليطمح الشهيد لو كان ما زال بيننا، بقيامة مشابهة لوطن يحتضر إقتصادياً ومعيشياً، وطن يستعجل أبناؤه الخلاص أمنياً وسياسياً علهم ينتقلون إلى ضفّة أكثر أماناً تُزيح عن كاهلهم أعباء الجهل والتخلّف والتراجع، والتي كان الشهيد يُكافحها بشتى الطرق والوسائل بدعم مستمر ودائم من الشهيد رفيق الحريري وفريق عمل حكومي آمن بأن بناء الأوطان لا بد وأنه يستدعي في مكان ما، وجود أشخاص يُشبهون باسل فليحان.

نظام الإجرام والقتل نجح في الرابع عشر من شباط 2005، بتوجيه ضربة قاتلة للبنان باستهدافه إثنين من ركائز الوطن ودعائمه. رفيق الحريري وباسل فليحان، ومعهما رفاقهما الأبرار، اسمان لن يُكررهما التاريخ ولن يُعوّض على وطن ما زال يئن تحت وطأة الوجع والإستهداف، بمثلهما. في الإقتصاد خلق باسل فليحان جوّاً من الراحة في نفوس اللبنانيين بعد إستلامه وزارة الإقتصاد حيث أوجد علاقة خاصّة بينه كرجل سياسي وإقتصادي يتعاطى الشأن العام وله حضوره اللافت في كل منتديات العالم، وبين كل من فكّر بمصلحة الوطن وإنعاشه على كافة المستويات خصوصاً في ظل الآفاق والتسهيلات التي أوجدها، وهو الأمر الأبرز الذي استدعى التخلص منه على يد قتلة لا همّ لهم سوى إغراق لبنان بالأزمات وضرب إقتصاده ومنعه من الإنفتاح على الخارج.

كما هو معروف، فان الشهيد فليحان قد دخل السياسة من بابها الواسع، من الباب الأكثر تشعباً وصلة يومية بالقرارات السياسية والاقتصادية، حيث أخذ على عاتقه ومن خلال دوره في الوزارة إنجاح المشروع الاقتصادي للرئيس الشهيد، لرفع مستوى الحياة في وطنه. تحرّره من كل الحسابات الشخصية جعله الأقرب إلى إنجاح هذا المشروع وهو الذي لم يكن ليتراجع عن آرائه الصائبة. انتقد الكثير من الأخطاء وصحّح معظمها من باب تحسين العمل السياسي لا من أبواب التزلف، عبر منهجية علمية في التعاطي مع الآخرين من التشريع والمناقشة والمساءلة والمراقبة والمحاسبة. وفي العام 2004 علم أن دوره تخطى الاقتصاد الى السياسة، وبدأ بالمشاركة الحقيقية مع قوى البريستول المعارضة يومها بالتحضير للتحالف السياسي بين المعارضة والرئيس الشهيد. كما شارك في كتابة البيانات وفي رسم خطط العمل التي تسبق الإنتخابات النيابية، كما شارك في المؤتمرات واللقاءات التي كانت تُمهّد لخروج لبنان من شرنقة نظام الوصاية، نظام القتل والإجرام.

لكن، من بين الإحباط واليأس، ومن بين محاولات الإخضاع والإذلال لشعب لم يكن ينشد سوى الحريّة التي كانت مسلوبة على يد النظام السوري وأعوانه في الداخل، قامت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لتفضح خبايا وخفايا من تحكّم بمفاصل الدولة لعقود من الزمن. محكمة لم ترضَ بأنصاف الحلول ولم ترضخ لكل التهويلات والتهديدات، فراحت تبحث عن الحقيقة حتى وجدتها على طريق «السان جورج» بعدما إنكشفت الإحاطة الكاملة بتحركات المنفذين ووسائل التمويه التي اعتمدوها لإخفاء جريمتهم. فبالأدلة والبراهين، ومن خلال الكاميرات المزروعة على طول الطريق المؤدي الى «السان جورج» وشبكة الإتّصالات وحركتها، أثبت الإدّعاء العام في المحكمة الدولية، أن مصطفى بدر الدين وسليم عيّاش حضّرا لإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، ونفّذ التفجير انتحاري كان يقود سيارة فان «ميتسوبيشي» محمّلة بمواد شديدة التفجير. ولا تزال المحكمة حتى اليوم، تتعقّب في جلساتها، كل ما يُمكن الركون اليه من معلومات، للوصول إلى نتيجة حتماً سوف تضع المُجرم تحت قوسها حتى ولو طال الزمن فترة بعد.

في ذكراه الثانية عشرة أمس، استذكره أصدقاؤه وزملاؤه بالكثير من الميزات التي كان يتمتع بها. الكل تحدث عن رجل يرقد اليوم بسلام إلى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري ويؤكدون بأن الحق لن يموت مهما تبدلت الظروف أو اشتد ظلم القاتل. أما باسل الرجل الإقتصادي وصاحب النظريات المستقبلية وخبير الأرقام والحاصل على أعلى مراتب التقدير والأوسمة في مجاله العلمي ومهندس مؤتمر «باريس 2»، فيُجمع الأصحاب على أنه كان نموذج الشاب المتطّلع الى قيام دولة حديثة ديموقراطية دفعاً بلبنان الى مصاف الدول المتقدّمة.

ومن بين ما استذكره الرفاق بالأمس، إلحاح زوجته يسمى عليه عشية عودته الى بيروت من جنيف يوم 13 شباط أي قبل يوم من موعد «الرحيل»، أن يبقى هناك، لكنه أصر على العودة بهدف مناقشات برلمانية لقانون الإنتخابات توجب وجوده في بيروت. عاد باسل فليحان في 13 شباط، ليكون رفيق الرئيس الشهيد في استشهاده كما كان رفيقه في حياته. دخل في صراع مع الموت دام 64 يوماً جرّاء الحروق البالغة التي أصابته خلال «جريمة العصر» والتي ما زال لبنان عموماً واللبنانيين خصوصاً وعلى رأسهم ولداه رانيا وريان، يعيشون حتى اليوم تبعاتها ولا ينفكون مع كل فجر جديد، عن المطالبة بالحقيقة. الحقيقة لأجل لبنان.