يخوض “التيار الوطني الحرّ” و”حزب الله” معركة تطيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لأهداف سياسية لا علاقة لها بمطالب الشعب اللبناني المنتفض.
لا يمكن الدفاع عن المصارف مجتمعةً نتيجة الذلّ الذي يعاني منه الشعب على أبوابها للإستحصال على رواتبه أو بعض مدخراته، وإذا سلّمنا جدلاً أنها ليست وحدها المسؤولة عن الأزمة إلا انها تتحمل مسؤولية دولة فاشلة هدرت مال اللبنانيين، إضافةً إلى عدم قدرتها على مصارحة الشعب وعلى كشف أين ذهبت الأموال والتستّر على المنظومة السياسية الفاسدة.
وأمام كل ما يحصل وبغضّ النظر عن ارتكابات المصارف، إلا أنه لا يمكن إهمال المعركة السياسية الثانية التي يخوضها “التيار الوطني الحرّ” والعهد والتي تهدف إلى الإستحواذ على المواقع المسيحية في الدولة. وفي هذا الإطار، فإن محاولة وضع اليد نجحت إلى حدّ كبير في بعض المراكز، فقد استأثر “التيار” بكامل التعيينات الإدارية وأدخل من أدخل إلى ملاك الدولة، وظنّ نفسه أنّه سيطر على قيادة الجيش، ولم يبق أمامه إلا حاكمية مصرف لبنان، لكن المسألة باتت مختلفة.
صحيح أن “التيار الوطني الحرّ” نجح في تعيين اللواء طوني صليبا مديراً عاماً لأمن الدولة، وروّج أن قائد الجيش العماد جوزف عون يعمل تحت عباءته، إلا أن الحقيقة كانت مرّة مع الوعي الوطني لدى العماد جوزف عون ورفضه ضرب الثورة، ما أزعج الوزير السابق جبران باسيل، وعندما حاول إزاحة قائد الجيش رفع الأميركيون البطاقة الحمراء في وجهه رافضين أي مسّ بالمؤسسة العسكرية، وبالتالي خرجت قيادة الجيش من تحت سيطرة التيار “البرتقالي” ولم ينجح بوضع اليد على أهم مركز أمني مسيحي، وسط خوف باسيل من تقدّم حظوظ العماد جوزف عون الرئاسيّة والرضى الداخلي والخارجي عنه.
ويشرح من عايش تفاصيل اللعبة السياسية بعد التسوية الرئاسيّة العام 2016 أن “التيار الوطني الحرّ” وضع نصب عينيه السيطرة على حاكمية مصرف لبنان والإطاحة بسلامة، وباشرت دوائر القصر الجمهوري الإتصال بشخصيات لتولي هذه المهمّة، ويُقال أن من بين تلك الشخصيات كان كارلوس غصن الذي رفض العرض قبل اعتقاله في اليابان، وبعدما لم يتجاوب أحد من رجال الأعمال، عاد “الوطني الحرّ” وأبرم صفقة قضت بالتجديد لسلامة 6 سنوات مقابل الحصول على مكاسب أخرى، في حين أن الوزير السابق منصور بطيش يبقى مرشّح باسيل الدائم لحاكمية مصرف لبنان على رغم إنكار “التيار” لهذا الامر.
وفي المعلومات أيضاً أن قيادة “التيار” والعهد ومسؤولين تبلّغوا رسالة قويّة من الأميركيين حذّروا فيها من مغبّة اللعب بحاكمية مصرف لبنان وجعلها مؤسسة تخضع لسلطة “حزب الله”، لأن هذا الأمر خطّ أحمر.
وينبع الموقف الأميركي من خطّ استراتيجي متبع منذ سنوات يتعلّق بتجفيف مصادر تمويل الإرهاب وليس مرتبطاً بدعم أي شخص لأن واشنطن تتعامل مع المؤسسات بغضّ النظر عن الأشخاص، وما ينطبق على الجيش اللبناني ينطبق على مصرف لبنان، وأي اتجاه لإعطاء تسهيلات لـ”حزب الله” والتلاعب بالعقوبات الاميركية سيعرّض كل لبنان لعقوبات، ولا مجال للعب على هذا الموضوع.
من جهتها، تحاول الحكومة التخفيف من صدمة المعركة المندلعة بينها وبين سلامة على رغم التأكيدات الوزارية أن الحكومة ذاهبة إلى النهاية في معرفة حسابات مصرف لبنان التي تحوّلت إلى معركة سياسية بامتياز.
إذاً، يبدو أن “التيار الوطني الحرّ” خسر معركة جديدة في معارك وضع اليد على المواقع المارونية المهمّة خصوصاً بعد موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي استغرب هجوم الرئيس حسان دياب على سلامة ومصرف لبنان بدل وضع خطة إنقاذية للوضع الإقتصادي ووقف مزاريب الهدر والفساد.
ونزل موقف الراعي كالصاعقة على من أراد خوض معركة إقالة سلامة خصوصاً أن البطريرك سمّى الأمور بأسمائها، وتحوّلت عظته إلى مضبطة اتهام لحكومة دياب التي تهدر الوقت ولم تقدم على إصلاحات جذرية، وبالتالي فإن الشعبوية حسب بكركي لم تعد تنفع في بلد يعاني أزمة إقتصادية خانقة ويصرّ المسؤولون فيه على تجاهل كل ما يحصل والإستمرار في سياسة الصفقات والمحاصصة.
وواظب الراعي قبل كلام رئيس الحكومة حسان دياب الجمعة، بعد تسريب معلومات عما يريد قوله وفعله، على معرفة حقيقة الموضوع وجرت إتصالات مع سلامة وعلى أعلى المستويات، وأدرك البطريرك أن هناك انقلاباً على نموذج لبنان ونظامه وتغيير وجهه، لذلك خرج بموقف عنيف مستبقاً ما يحصل ورافضاً أن تجرّ الشعبوية مزيداً من العقوبات على لبنان ومزيداً من الانهيار في الليرة وقدرة المواطنين الشرائية، و”قال ما قاله”، حيث أتى موقفه بعد كلام دياب الذي لم يستند إلى معلومات لإدانة سلامة بل إن كل ما في الأمر تسجيل نقاط من دون تحقيق أو محاكمات، خصوصاً أنه صدر عن رئيس حكومة لا عن أي شخص ليس في سدّة المسؤولية ما يكشف كيف تدار الدولة بطريقة عشوائية تجلب الكوارث على الشعب.