أنتج لقاء بعبدا الذي كان يفترض أن يكون جامعاً، موافقة من سبق ووافقوا في مجلس الوزراء، على “خطة التعافي” المالي والاقتصادي، والتي ستكون “إطاراً” للتفاوض مع صندوق النقد ومع الدائنين والمانحين من المجتمع الدولي، بناء لـ”الرؤية” التي تضمنتها للتصحيح المالي وإعادة هيكلة الدين وسد الفجوة في الخسائر المصرفية ولدى مصرف لبنان…
من الواضح أن من نصحوا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالدعوة إلى اللقاء، لأن البرنامج الإصلاحي يجب أن يعلن من قصر بعبدا لا من السراي الحكومي، لم يقتنعوا بأن الغرض من ورائها، إذا كان تأمين إجماع وطني عليه، لم يتحقق. تغيّب خمسة من الأقطاب الرئيسيين. والسادس من المعارضين، رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، خطف بحضوره الأضواء عمن جلس معهم على الطاولة الذين سبق أن تبنوا الخطة، باعتراضه على البيان الختامي الذي رحب بها، وباستفادته من منبر القصر الرئاسي كي يطرح ما اعتبره “شروطاً مسبقة للبحث في أي خطة”. تمايز جعجع عن المتغيبين بالحضور لكنه تساوى معهم بأن رفع اعتراضه السياسي على مقاربة التركيبة الحاكمة للأزمة، وكرر ما سبق لوزرائه وللمعارضين الآخرين أن ألحوا على معالجته: الكهرباء، الجمارك، المعابر وخفض كلفة التوظيف في القطاع العام…لا بد من التساؤل عن السبب الذي غيّر الأحوال حتى دعا الرئيس عون إلى “تجاوز تصفية الحسابات”، وحتى يكرر العبارة نفسها الرئيس دياب ويعظ بأنه “لا يفترض فتح الدفاتر القديمة في السياسة”، بعد أن ملأ كل منهما الفضاء الإعلامي خلال الأسابيع الماضية بالحديث على المحاسبة عن “سياسات السنوات الثلاثين الماضية الخاطئة”، وعن “الإرث الثقيل” و”الأوركسترا” التي تعمل لإفشال الحكومة، والتهديد بالويل والثبور وبإقالة رياض سلامة ومصادرة المناصب المالية واقتلاع الإدارة السابقة للبلد؟
عبارة “وقف تصفية الحسابات”، فضلاً عن أنها وردت على لسان السفراء الغربيين الذي رصدوا السجال الساخن في الأسابيع الماضية، ونصحوا بحد أدنى من التوافق السياسي على الخطة الإنقاذية لتشجيع المجتمع الدولي على مساعدة لبنان، لم تكن غائبة بدورها عن فحوى خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عصر الإثنين الماضي. فهو قال: “ندعو إلى الهدوء في العلاقات الثنائية بين القوى السياسية”، وأبدى استعداداً “للمساهمة بتخفيف أي احتقان”. “الحزب” تقاطع مع السفراء الغربيين في الدعوة للتهدئة، مع أنه اتهم السفيرة الأميركية دوروثي شيا بالتسبب بالسجالات، ليهرب من تحميل حلفائه في “التيار الوطني الحر” المسؤولية، على رغم أنها شاركت زملاءها القلق من التصعيد السياسي. فـ”الحزب” استدرك غضه النظر عن إقحام حليفه جبران باسيل وعون والحكومة ودياب في معارك دونكيشوتية مع المعارضين لمحاكمة رموزهم، ووضع اليد على مصرف لبنان والتعيينات، وانفلات الغرائز في الجبل. صار الحديث عن “أهمية دور المختارة” في الجبل وتكريس المصالحة، وعن الانفتاح على سعد الحريري… في هذا السياق جاءت زيارة جنبلاط لبعبدا، ثم زيارة باسيل للرئيس بري، ثم اجتماع بعبدا. هل الهدف من وراء اللغة التصالحية تمرير عراضة الموافقة على “خطة التعافي”، في وقت مستقطع ليُستأنف بعدها المسار الهجومي، أم أن الهدف تعويم باسيل بعدما ثبت أن اندفاعته ضد المعارضة تسقط ترشيحه للرئاسة كما هو حاصل حتى الآن؟