IMLebanon

التيار والحزب مجدداً: تزخيم معركة مكافحة الفساد والكهرباء في الصلب

 

الضرورات الإستراتيجية ما عادت تبيح المحظورات الداخلية.. ومعابر التهريب بداية

 

في الأول من شباط 2018، أطلق جبران باسيل عبر «ماغازين» كلاماً حيال العلاقة مع حزب الله أعتُبر سابقة في حينه. قال صراحة إن الحزب «يأخذ خيارات في الموضوع الداخلي لا تخدم مصالح الدولة اللبنانية»، مذكّراً أن «في وثيقة التفاهم هناك بند أساسي يتعلق ببناء الدولة، ولكن ولسوء الحظ هذه النقطة لم تطبق بحجة الاعتبارات الاستراتيجية». لكنه في الوقت عينه، قال ان «علاقتنا مع الحزب استراتيجية وباقية، وهي كسرت الرقم القياسي في التفاهمات السياسية في لبنان، وإننا على الموجة نفسها في القضايا الاستراتيجية».

 

أتى موقف باسيل أكلَه، رغم كل التفسيرات السياسية والاختزالية والتوظيفية، فسمّى السيد حسن نصرالله، غداة الانتخابات النيابية في أيار 2018، النائب حسن فضل الله مسؤولا عن ملف مكافحة الفساد، نُظر اليه على أنه إعلان نوعي من جانب الحزب.

 

قبل العام 2018، كان واضحا أن التمايز صارخ بين الحليفين في آليات المقاربة الخجولة للحزب، لمحاربة الفساد ووقف السرقات ووضع حدّ نهائي لاستنزاف أمراء الطوائف مالية الدولة التي بات مد اليد اليها بالنسبة الى هؤلاء حقا مكتسبا (يقول البعض انه جرى دمجه مواربة كبند غير معلن من بنود اتفاق الطائف، وحُدّد دوره على أنه من ضرورات تمويل الميليشيات كتعويض عن قبولهم بوقف الحرب والسير بالاتفاق) ومن ضمن ما راكمه هؤلاء الأمراء من مغانم ميليشيوية على هامش الدولة والدستور والقانون.

 

هل يستنسخ «التفاهم» بين الحزب والتيار تجربة اتفاق معراب؟

 

كانت حجة الحزب أن الضرورات الإستراتيجية والعلاقات البينية الداخلية تبيح المحظورات، أي محظورات حتى لو كانت على مستوى إستنزاف الخزينة، غرّةً وسرقة. وبقيت تلك الحجة قائمة الى حين بلغ السيل الزبى، مع بدء بشائر إنهيار المنظومة المالية والإقتصادية عام 2019، وهو ما كان واضحا عند السيد نصر الله، كما لدى معظم القيادات. لذلك أعلن في 8 آذار 2019 بدء معركة مقاومة الفساد، لافتا الى أن «لا يمكن للمقاومة الوقوف على الحياد إزاء مصير لبنان، بعد أن دافعت عن أرضه بأغلى ما تملكه»، ومؤكداً «أننا في معركة واجبة ومهمة ووطنية، ولا تقل قداسة عن المعركة ضد الاحتلال والمشروع الصهيوني».

 

وبنتيجة تلك التطورات، خرجت العلاقة بين التيار والحزب بأقل ضرر ممكن، بإتفاقهما على مزاوجة نسبية بين الضرورات الإستراتيجية والحاجة الماسة الى التكاتف لبدء بناء الدولة.

 

تأتي هذا الإستعادة في هذا التوقيت، تلازما مع الإلتباس الذي عاد ليرافق تلك العلاقة في الأيام الأخيرة نتيجة نقاش داخلي في التيار خرج الى العلن، عكسه تحديدا النائب زياد أسود بقوله انه «لا يمكن حمل البارودة والشعب جوعان، اللي بدو يحمل بارودة بدو يكون شعبو مرتاح»، وهو بذلك يختصر البحث في موقف حزب الله من اللجوء الى صندوق النقد، ومدى إستعداده للسير بهذا الخيار وما يتأتى عنه من إلتزامات إصلاحية من منطلق ضرورة تزخيم عملية مكافحة الفساد والولوج الى مناحٍ جديدة لا تزال عاصية، من مثل وقف التهريب الحدودي والمرفقي ووقف التهرّب الضريبي، في موازاة ترتيب حل نهائي لمعصية الكهرباء، وإستطرادا فتح كل كملف الطاقة، وليس حصرا بفيوله المغشوش وكارتيلاته المدوّية. وأخذ تفسير كلام أسود بعده الآخر مع ربطه بتصريح سابق لباسيل عن قوى الأمر الواقع التي تسهل التهريب أو تتغاضى عنه. فإنطلقت التفسيرات السياسية والاختزالية والتوظيفية نفسها التي تلت كلامه الى «الماغازين» قبل عامين، لتتحدث عن حد أدنى عبارة عن خفض قناة التواصل البينية، وصولا الى الكلام عن إبتزاز (إستمرار تغطية السلاح مقابل الترئيس)، وعن حاجة أميركية للتيار تفترض الطلاق أو الافتراق الموقت (إطلاق عامر الفاخوري، قانون قيصر، مشروع قانون تيد كروز في الكونغرس وكانت «اللواء» أول من كشفت عنه)، وليس إنتهاء بحد أقصى (نعي وثيقة التفاهم والإفتراق النهائي عبر إستنساخ التنصّل من تفاهم معراب الرئاسي).

 

لا تخفي قيادة التيار الوطني الحر أن النقاش الداخلي في مسألة العلاقة مع حزب الله هو في حقيقة الأمر توصيف لواقع ما أصيب به لبنان من ضرر جسيم إقتصادي ومالي نتيجة الحرب الأميركية على إيران وأجنحتها. تلك الحرب، وقوامها الحصار الاقتصادي والمالي، تفترض تحصين الدولة ضد الفساد وتعميم التضامن الوطني وإلا لن يستطيع الحزب الصمود، لا هو لا بيئته الخاصة ولا البيئات الحاضنة من خارج الطائفة. كل ذلك يفترض حقيقة ضرورة تزخيم الحرب على الفساد وتفكيك دولة الحمايات الميليشيوية والنفعية. في هذا السياق، لا تُخفى الصدمة على خلفية موقف وزيري الحزب من ملف الكهرباء ومعمل سلعاتا، والذي إعتُبر تماهيا لو غير مقصود مع سعي منظومة النهب إجهاض مناقصة المعامل الثلاثة ومنصاتها الغازية العائمة (FSRU) والتي سبق أن فاز بها تحالف قطر بتروليوم وإيني الإيطالية، لمصلحة شركة أخرى حظيت بوكيل محلي (هنا بيت القصيد) وإقتصر عرضها على معملين.

 

وحتّم ما حصل اللقاء القيادي، منتصف الأسبوع، والذي كما بات معروفا خُصص لمقاربة الهواجس والتطلعات وآليات إصلاح أي خلل من معابر التهريب (بدءاً) الى الكهرباء (قريبا) والفيول المغشوش، مع التأكيد على أن التباينات لا تقرب الثوابت الإستراتيجية.