IMLebanon

أيّ تغيير للنظام يسعى إليه “التيار”؟

 

عادت طروحات قديمة – جديدة عن شكل الدولة ونوع النظام في لبنان، لتطفو على سطح السجالات السياسية، جزء منها جدّي انطلاقاً من نظرة واقعية عملية وجزء آخر منها لا يعدو كونه رسائل سياسية في إطار اللعبة المحاصصاتية الداخلية المعتادة. وفي إطار التغيير ضمن النظام، يدأبَ رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل على الدعوة بوضوح الى تطبيق اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة. لكن البعض يعتبر أنّ باسيل يخرق “اتفاق الطائف” بمطالبته باللامركزية المالية، فيما أنّ وثيقة “الوفاق الوطني” تنصّ على اللامركزية الإدارية فقط.

قال باسيل في المؤتمر الصحافي الأخير الذي عقده في 17 أيار الجاري إنّ “مشكلة البلد الأكبر هي الطائفية التي تحمي الفساد، وضرورة معالجة أزمة النظام السياسي، لأنّ ما يمنعنا فعلاً من تحقيق ما نريد هو هذا النظام السياسي الذي يحتاج الى إجماع في كل شأن تحت طائلة فقدان الوحدة الوطنية واندلاع الفتنة”.

 

ورأى أنّه “يجب استغلال الفرصة الآن لتطوير هذا النظام انطلاقاً من الدستور ومن “اتفاق الطائف”، من دون الرهان على تغيير موازين القوى، بل بالاتكال على التوافق الوطني، وذلك باعتماد اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، وبالانتقال الى دولة المواطنة المدنية عبر اعتماد قانون موحّد للأحوال الشخصية، وتأليف مجلس الشيوخ وإلغاء الطائفية وفق ما ينصّ عليه الدستور وحسب برنامج محدّد ومتّفق عليه”.

 

الدستور اللبناني المُعدّل بعد “اتفاق الطائف” عام 1990، لم ينصّ على اللامركزية الإدارية، بل تقول الفقرة “ز” من مقدمة الدستور إنّ “الإنماء المتوازن للمناطق ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام”، فيما أنّ اللامركزية الإدارية الموسّعة وردت في “اتفاق الطائف” ضمن باب “الإصلاحات السياسية”.

 

“التيار” يربط اللامركزية الإدارية المالية بتحقيق الإنماء المتوازن الذي نصّ عليه الدستور، ويعتبر أن “لا معنى لأيّ كلام عن لا مركزية إدارية إذا لم يكن مصحوباً بلامركزية مالية موسّعة، أي بإعطاء الوحدات اللامركزية إمكانياتها المالية، وأن تكون الإدارة اللامركزية مُنتخبة وتخضع للمحاسبة وقادرة على تكوين خياراتها الإقتصادية المحلية. إذ كيف تتمكّن اللامركزية من تحقيق الإنماء المتوازن في المناطق ومن خفض الهدر والسرقات، إذا بقي النظام المالي نظاماً مركزياً يتحكّم فيه أقطاب الأحزاب والطوائف، ويستخدمونه لاستمرار النظام الزبائني؟”.

 

وعن الحديث عن سعي الى إرساء دولة فدرالية في لبنان، يؤكد “التيار” أنّه “ليس مطروحاً الآن أيّ انقلاب على النظام، بل إنّ المطروح لبنانياً وعلى المستويات كلّها، هو تطوير النظام، إذ إنّ مقومات النظام في لبنان، مثلما تمّت ممارستها منذ عقود طويلة ومنذ أكثر من 30 عاماً، تتساقط واحدة تلوَ الأخرى، إمّا بفعل الزمن وإمّا بفعل الممارسات أو بفعل المتغيرات السياسية والإقتصادية”.

 

ويرى “التيار” أنّ “استمرار الوضع على ما هو عليه أصبح مستحيلاً، ويُعتبر انتحاراً”، وهو يطمح الى “تطوير النظام اللبناني ضمن الدستور المنبثق من “اتفاق الطائف”، وضمن البنود الإصلاحية في هذا الإتفاق والتي لم تُطبّق بعد”. ويعتبر أنّ النظام اللبناني سقط انطلاقاً من مواقع خَلل عدة فيه، أبرزها:

 

– انّ النظام المصرفي والمالي الذي كان ثابتاً ومستقراً من ستينات القرن الماضي الى ثمانيناته وكان المحرّك للاقتصاد، بدأ في أوائل التسعينات الدخول في أزمات متلاحقة، نتيجة السياسات المالية والإقتصادية والنقدية والدين وفوائده… وأدّت في الواقع الى أنّ لبنان مديون الآن بما لا يقلّ عن 150 مليار دولار. وهذا النظام المالي والاقتصادي، وهو من أبرز ركائز النظام اللبناني، وصل الى حائط مسدود. وهناك إجماع لدى الجميع أننا لا نستطيع أن نُكمل في هذه السياسة الإقتصادية والمالية والنقدية ولا بهذا الاقتصاد الريعي.

– إنّ الإنماء المتوازن لن يتحقّق في لبنان بأيّ طريقة من الطُرق، مع كلّ الديون المتراكمة، وبالتالي وصلَ نظام مركزية الإنماء أيضاً الى حائط مسدود.

– إنّ السلطة لم تتمكّن من إقرار آلية على مستوى مؤسسات الدولة للمراقبة والمحاسبة كما يجب، لا في مجلس النواب ولا في مجلس الوزراء ولا في القضاء، نتيجة أنّ الحكم التوافقي المركزي يُعطّل كل شيء.

 

ويسأل مسؤولون في “التيار”: “إذا كانت هذه المطالب لا تُعتبر إصلاحاً إيجابياً، فما هو الإصلاح الإيجابي؟”. وتقول إنّ الرد على هذه المطالب الإصلاحية بأنّها “فدرالية مُشيطنة”، يعني أنّ “من يرفض هذا التغيير وتطوير النظام السياسي والإقتصادي ويصرّ على الآليات التي أوصلتنا الى الحائط المسدود، لا يريد مصلحة لبنان. أمّا الذي يريد مصلحة شعبه فيفكّر مثلنا بوحدة الأرض والشعب وبدولة موحدة على صعيد شعبها وجغرافيتها وسيادتها، وبدولة نظامها السياسي المأزوم يُصبح نظاماً مرناً متطوراً يتمتّع بآليات المحاسبة”.

 

وتؤكد “اننا لا نرى وسيلة لتحقيق هذا التطوير، سوى ثوابت اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة ومجلس الشيوخ والدولة المدنية”.

 

بالنسبة الى “التيار”، “لا شيء مُنزلاً”. وينطلق تصوّره من تطوير النظام اللبناني، من المعادلة الآتية: “بعد 30 عاماً من تطبيق “اتفاق الطائف”، هل خرج لبنان من الأزمات أو دخل في أزمات أكثر؟ وهل ذهبت الدولة الى الإنماء المتوازن أو الى الإنهيار الشامل؟”.