Site icon IMLebanon

“تشي” باسيل لبنان!

 

استمع اللبنانيون ظهر السبت إلى رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل يُحاضر عن الدولة المدنية، وهو من حمل لواء “حقوق المسيحيين” وحكم “الأقوى في طائفته”، وتحالف مع الحزب الأكثر مذهبية، حتى داخل مذهبه، والذي يسعى إلى جعل لبنان جزءاً من الجمهورية الإسلامية الكبرى!

 

ولكن، بعيداً من الشعارات المسطّحة، كشف باسيل عن توجّهات خطرة جداً، ومنها على سبيل المثال قوله “إن ما يحصل هو فرصة كبيرة للبنان لتغيير اتّجاه اقتصاده”. فماذا يعني باسيل بـ”تغيير اتّجاه الاقتصاد”؟ وهل نذهب من الإقتصاد الحرّ إلى الإقتصاد الشيوعي؟ أو الإقتصاد الإشتراكي من دون حماية اجتماعية؟ أم يقصد التحوّل نحو الإعتماد على الصناعة والزراعة الواجب دعمهما حتماً، لكنّ هذين القطاعين لا يُمكن أن ينهضا باقتصاد وطن كلبنان مساحته لا تكفي لمنطق “الإكتفاء الذاتي” أو ما شابه؟

 

على جبران باسيل ومستشاريه أن يُدركوا أن ازدهار لبنان لم يقُم يوماً إلّا على السياحة والخدمات والنظام المصرفي، وأن يكون لبنان مصرف العرب ومستشفى العرب وجامعة العرب ومصيف العرب، وهذا ما جعله “سويسرا الشرق”، وليس إنتاج الشمندر السكري أو التبغ في الجنوب، ولا تفّاح بشري والعاقورة، مع التقدير الكامل لكلّ جهد زراعي، في دولة مُهترئة في لبنان، لا تسعى لتحسين نوعية إنتاجها وتأمين الأسواق الخارجية لتصريفه. أما المشكلة التي أوصلتنا إلى قعر الإنهيار، فلم تكن يوماً في هذا النظام الإقتصادي الحرّ، وفي قوة نظامنا المصرفي، بل في فساد الطبقة السياسية، وفي التمادي في نهب الدولة وخزينتها، وفي جعل مؤسساتها ووزاراتها مَرتعاً للمحاسيب والأزلام، وفي رفض إجراء أي إصلاح، وفي عرقلة التشكيلات القضائية ومنع القضاء من القيام بواجباته، والتدخّل الفاجر والوقِح في عمله، كما في رفض الإلتزام بالقوانين، من قانون الكهرباء الصادر في العام 2002 إلى قانون آلية التعيينات الصادر أخيراً… وباسيل نفسه كان رائداً في ارتكاب كل تلك المخالفات، ولم يعُد ينفع من استلم الحكم برئاسة الجمهورية والحكومات بأكثريتها مع حلفائه وثلثها المعطّل تكراراً، وأهمّ الوزارات والمواقع العسكرية والأمنية والقضائية والإدارية والديبلوماسية طوال أكثر من 12 عاماً، أن يغسل يديه ممّا وصلنا إليه، وخصوصاً حين يكون مُتّهماً بشتّى أنواع الفساد والصفقات والمحسوبيات والزبائنية!

 

المُضحك – المُبكي في كلام باسيل الأخير، أنه أطلق النار على كلّ الطبقة السياسية بمُختلف أطيافها، ظنّاً منه أنّه “تشي غيفارا” لبنان، أو ربّما “امرأة قيصر”، مُتناسياً أنه وتيّاره يقبضان على خناق الحكم على مختلف المستويات، من رئاسة الجمهورية إلى الحكومة، إلى أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب، وفشل في تحقيق أي إنجاز، لا بل يعتبر أن إنجازاته إنما تكمُن في نيل المزيد من حصص الجبنة في قالب الدولة المُهترئة. وينسى باسيل أنه شريك لكلّ هذه الطبقة السياسية، بدءاً بـ”حزب الله” وحركة “أمل” وجميع حلفاء سوريا، مُروراً بالرئيس سعد الحريري الذي بنى معه التسوية الرئاسية وبقي مُتمسِّكاً به حتى اللحظة الأخيرة قبل استقالته وسعى لإعادته إلى السراي. هو من يُهاجم اليوم حاكم المصرف المركزي رياض سلامة بعدما كان عقد معه صفقة في الـ2017 تمّ التجديد له بموجبها في مركز الحاكمية حتى العام 2023، وهو من لم يعُد يُمانع في رهن لبنان لصندوق النقد الدولي لإفلاس لبنان، وإغراقه بمزيد من الديون التي ينتقدها، كسبيل وحيد لمزيد من السيطرة عليه، عِوض المسارعة إلى تنفيذ الإصلاحات المطلوبة!

 

لا، ثورة 17 تشرين ليست “مؤامرة” كما وصفها باسيل، بل المؤامرة الحقيقية تكمُن في إصرار صهر العهد على تدمير كلّ شيء، سعياً وراء كرسي الرئاسة التي ادّعى أنه لا يريدها… ولم يُصدّقه أحد!