في السياسة اللبنانية، تتداخل كل الملفات ببعضها البعض. السياسي بالبيئي بالمعيشي، من دون القدرة على عقلنة الاختلافات والخلافات، بسبب المصالح والاستفادات التي تطغى على الحسابات.
وفي طليعة الملفات البيئية المختلف عليها، ملفّ السدود، الذي عاد إلى الواجهة، مع كلمة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل السبت، الذي أشار إلى انّ سدّ بسري والأولي «مشروعان متلازمان، دفعنا عليهما 500 مليون دولار من ضمنها 155 مليون دولار استملاكات، وبقي 200 مليون دولار. ووافق عليهما بالإجماع مجلسا الوزراء والنواب مرتين وثلاث مرات، ودفعنا بعد 9 سنوات كل الأموال». وقال لأهل بسري: «لا تفوّتوا عليكم هذا المشروع، هو لكم وليس للتيار الوطني الحر. الماء لكل بيروت وليست للتيار الوطني الحر».
مسؤول الحركة البيئية بول أبي راشد أشار، في حديثٍ لـ«الجمهورية»، إلى التجاوزات القانونية في ملف إقامة السدود. فأوضح أنّ «القانون يفرض أن تخضع أي خطّة من قبل أي جهة في القطاع العام إلى «دراسة تقييم الأثر البيئي الاستراتيجي» أو دراسة الـ«SEAS»، وهذا التقييم تقوم به شركة متخصّصة، لبنانية كانت أم أجنبية، توضح ما إذا كانت الخطّة مناسبة أم لا»، مشدّداً على أنّه «في ملف السدود عندما وافق مجلس الوزراء على الخطة، قامت شركة ECODIT بهذه الدراسة وكانت النتيجة أنّ خطة السدود مكلفة، لها بدائل، وتأخذ مساحات كبيرة من الأراضي. وفي ذلك، تبنّت وزارة البيئة في العام 2015 هذه الدراسة بعد أن قامت بدورها القانوني في التحقق من الملف والخطة والدراسة، فأرسلت رفضها لوزارة الطاقة وطلبت منها مراجعة الخطة وتعديلها».
وفي السياق، أشار أبي راشد إلى أنّ «وزارة الطاقة كانت قد باشرت بتنفيذ سدود كلّ من جنّة، بقعاتا، بلعا وأخيراً المسيلحة منذ العام 2014 أي انها لم تنتظر صدور تقرير الدراسة»، لافتاً إلى أنّ «المخالفة الثانية كانت عندما لم يقوموا بـ«تقييم الأثر البيئي للمشروع»، فكان من المفترض أن يكون هنالك تقييم للأثر البيئي لسدّ جنّة وحده، وآخر لبقعاتا وآخر لبلعا وآخر للمسيلحة. وكنّا قد قدّمنا كتاب شكوى لوزارة البيئة، طالبين الدراسة التي تعتبر كترخيص يسمح بالبدء بالمشروع، إلّا أنّها لم تكن موجودة، فأرسلت وزارة البيئة آنذاك كتاباً لوقف الأعمال في السدود المذكورة، فردّت وزارة الطاقة، (وهما تابعتان لجبران باسيل) بنقض قرار وزارة البيئة، إلّا أنّ الأعمال استُكملت».
واعتبر أبي راشد أنّ «الإفلاس الموجود لا يحتمل مصاريف السدود الكبيرة، في حين تابع باسيل أمس تمسّكه القوي بإنجاز سدّ بسري، ما يؤكد استمراره في الخطة. في المقابل، يُسجّل موقف اعتراضي وتراجعي من معظم من وافقوا على إقامة السدّ سابقاً، ابتداء من «الحزب التقدمي الإشتراكي» وصولاً إلى بلديات الشوف وجزين، إلّا أنّ باسيل تجرّأ ووقف في وجه إرادة الناس والقانون لاستكمال السد».
ووَجّه أبي راشد لباسيل مجموعة أسئلة: «بالنسبة لتأمين المياه لمليون و600 ألف لبناني اليوم: هل يمكن لك ان تخبرنا كيف؟»، مضيفاً: «مضَت 7 سنوات على بدء الأعمال في سد بلعا في قضاء البترون لجَمع مليون م3 فقط من المياه، وزادت كلفته 4 مرات، ولم ينته بعد. فما المدة التي يحتاجها تشييد سد بسري وهو الذي من المقرر ان يجمع 125 مليون م3 ؟ وبأيّ كلفة؟
لماذا لم تخبر اللبنانيين أنّ مياه بسري ستختلط بمياه القرعون؟!
ولماذا لم تخبر أهالي الشوف وجزين وصيدا وبيروت كيف ستضمن سلامتهم اذا تحركت الفوالق الزلزالية تحت البحيرة والسد؟
لماذا لم تخبرنا عن الحلول البديلة التي طرحها المعهد الفدرالي الالماني لعلوم الارض والموارد الطبيعية الذي درس حلاً مُستداماً لتأمين مياه إضافية لبيروت الكبرى؟
ودعا أبي راشد «القضاء المستقل إلى تطبيق القانون ووضع حد لمشاريع السدود العشوائية التي أفرغت الخزينة وهدرت المال العام وشَوّهت طبيعة لبنان».