أوحت أجواء الأمس وكأن حكومة حسان دياب على قاب قوسين أو أدنى من السقوط. يناشده نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي من بيت الوسط لأن “يذهب باتجاه العمل لتحقيق وتسهيل الامر لإيجاد حكومة بديلة”، ويدعوه الوزير السابق وئام وهاب الى الاستقالة قبل أن يسقطوه في الشارع. كلام لم يصرف في حسابات المكونات الاساسية التي شاركت في تركيبة الحكومة والتي أكدت استمرار عمل الحكومة، واستغربت مصادرها حديث الفرزلي وما بات يمثله، خصوصاً وان مواقفه الاخيرة لم تعد تعكس حقيقة ما يبحث في الكواليس. في وقت لاحظ البعض وجود تركيبة حكومية تحاول بعض الاطراف فرضها على “حزب الله” ليست قابلة للصرف من قبله ولم يجر الاتفاق بشأنها بعد.
في هذه الاثناء كان رئيس الحكومة ومن على طاولة ترؤسه للحكومة يطلق مواقف عالية السقف فرد على كلام السفيرة الاميركية الاخير دورثي شيا قائلاً: “سكتنا كثيراً عن ممارسات ديبلوماسية فيها خروق كبيرة للأعراف الدولية، والديبلوماسية، حرصاً على علاقات الأخوة والانتماء والهوية والصداقات، لكن هذا السلوك تجاوز كل مألوف بالعلاقات الأخوية أو الديبلوماسية. والأخطر من ذلك، بعض الممارسات أصبحت فاقعة في التدخل بشؤون لبنان، وحصلت اجتماعات سرية وعلنية، ورسائل بالحبر السري ورسائل بالشيفرة ورسائل بالـ”واتساب”، ومخططات، وأمر عمليات بقطع الطرقات وافتعال المشاكل”. غامزاً من قناة تواصل جهات لبنانية مع مسؤولين أميركيين والتنسيق المتواصل بينهم.
وداخلياً كان دياب يتصرف على قاعدة “عرف الحبيب مكانه فتدلّل”، معلناً اصراره على السير بممارسة مهامه. فاللقاءات التشاورية بين المكونات السياسية الاساسية الداعمة للحكومة تشير الى التسليم بأن حكومة دياب باقية بقوة الامر الواقع لعدم وجود بديل عن رئيس الحكومة حسان دياب. لكن لا رئيس مجلس النواب نبيه بري مقتنع بجدوى إستمرارالحكومة ولا رئيس الحكومة سعد الحريري قادر على أن يقدم البديل في الوقت الحاضر. فما المطلوب اذاً؟ ممارسة الضغوط على دياب قدر المستطاع لحثه على القيام بخطوات اصلاحية وتعيينات باتت ملحة والا فإن إسقاط الحكومة سيكون بطرق أخرى غير استقالة رئيسها.
على مدى ساعة ونصف الساعة استقبل بري رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في عين التينة وعقدا اجتماعاً “جيداً”، وكشفت مصادر مطلعة أنه تم الاتفاق على مجموعة خطوات أبرزها قيام مصرف لبنان بما عليه لضبط تفلت سعر صرف الدولار الأميركي، باعتباره شرطاً أساسياً لمنع حصول أي اضطراب اجتماعي، وحث الحكومة اللبنانية على القيام بالإصلاحات المطلوبة والتعاون بينها وبين مجلس النواب حيث يلزم باعتبار ذلك حاجة لبنانية. وتم التفاهم على عدد من الإجراءات المطلوبة، واعتبار المفاوضات مع صندوق النقد خياراً اساسياً، وقيام الحكومة ومجلس النواب كل في نطاقه بما يستطيع لتأمين الحصول على برنامج من صندوق النقد لا يتعارض بأي من شروطه مع سيادة لبنان ومصلحته.
وفي المعلومات ان بري وباسيل عرضا لشؤون الحكومة وشجونها. وما شهدته جلسة الحكومة الاخيرة في بعبدا حيث تم توضيح أسباب الاصرار على المحاسبة المالية، وعدم دقة الاخبار التي يتم تداولها عن أن شركة كرول اسرائيلية، بل على العكس فهي شركة معتمدة في كثير من الدول بما فيها ايران التي استعانت بخبراتها. وانتهى النقاش الى الاتفاق على السير في التدقيق ولو مع تغير في المعطيات.
مصدر مسؤول في “التيار الوطني الحر” قال ان زيارة باسيل لبري لا تنفصل عن التنسيق في ما خص عمل الحكومة التي منحت الثقة، وكانت حكومة الخيار الذي تبقى من بعد استقالة الرئيس الحريري. وأكد المصدر انه “وخلافاً لما يتوهمه البعض فإن قنوات التواصل مع “حزب الله” لم تنقطع ومع بري “كان ما كان”، وما يهمنا الآن أن لا نصوغ مواقفنا وتواصلنا على نمط مواجهة الآخرين أو التآمر بالملف الداخلي. نصيغ مواقفنا والتي تزعج حلفاءنا أحياناً ونحددها بمقياس ما تلبي حاجة الناس وقناعاتنا في طريقة ممارسة العمل السياسي الذي نمارسه بقوة تمثيلنا في البرلمان”.
باسيل والوزراء
والحكومة التي تحولت الى عبء لقلة انتاجيتها كانت العنوان الابرز لزيارة عدد من الوزراء الى باسيل ممن أبدوا اسفهم لوضع الحكومة، ما خلف احباطاً لدى عدد منهم. وتشير مصادر وزارية الى ان الوزراء عبروا عن انزعاجهم من المراوحة في العمل الحكومي سواء بالنسبة لإصطدامهم بمواقف بعض زملائهم أو التردد الذي يظهر في سلوك رئيس الحكومة في البت ببعض المواضيع. وضمن هذا الجو لم يتوان الوزراء عن التعبير عن شعورهم بالعجز وان كان لدى البعض منهم وضوح بالرؤية ونية صادقة لأن يعملوا. وبعضهم عبّر عن عدم قدرته على المواجهة رغم شعورهم بمعاناة الناس، لكنهم أيقنوا أن العمل من داخل الحكومة هو غير العمل من خارجها.
وما فهمه الوزراء ان الحكومة بالوزراء الذين سماهم “التيار” كما بكامل عدد الوزراء ورئيس الحكومة، منحوا ثقة ليست عمياء ولا هي مفتوحة بل هي مرتبطة بمدى انتاجية هذه الحكومة. وكان باسيل صريحاً بالتعبير للوزراء عن عدم ارتياح “التيار الوطني” لإنتاجية الحكومة، خصوصاً لناحية الهدف الرئيس الذي جاءت الحكومة من أجله وهو تلبية مطالب الناس وبدء عملية الاصلاحات والدخول في ورشة مكافحة الفساد، الذي هو سبب أساسي لانتفاضة الناس. غير أن الامور لم تنفذ ما يضع الحكومة واستمراريتها على المحك.
هنا فتح الوزراء النقاش عارضين الاسباب والمعوقات التي تواجه الحكومة، وبعضهم خاض معركة دفاع عن نفسه وعمل وزارته. وتساءل احد الوزراء: إذا كنا غير قادرين على وقف تدهور سعر صرف الليرة ومحاربة الفساد واعطاء أمل للناس فما الحاجة لنا اذا؟ وأبدى البعض تحفظه على حديث وزير المال غازي وزني خلال الجلسة الحكومية عن شركة “كرول” والذي جاء بعد ثلاثة أشهر على تكليف مجلس الوزراء. لم يسمع الوزراء ما يطمئنهم بل وضع كل وزير منهم امام مسؤوليته، وفهموا من خلال كلام باسيل أن “التيار الوطني” أطلق جرس انذار للحكومة مرتبطاً بوقت زمني محدد، كي تسارع الى الإنتاجية وان تفي بوعودها.
هي جرعات مسكنة الى أن يقضي الله امراً لا يبدو ان أوانه قد آن بعد في ميزان الحسابات الدولية.