IMLebanon

تنقيح التسوية ودونكيشوتية باسيل

 

على نتيجة الاستشارات النيابية الملزمة اليوم يتوقف مدى نجاح طابخي التسويات بين أركان السلطة الذين تقاسموا الأدوار والمواقع في السنوات الماضية، في اختراع وسيلة جديدة من أجل تمديد مفاعيل التسوية الرئاسية التي فقدت الكثير من أسسها مع انكشاف المحاصصة التي جلبت الويلات الاقتصادية وزادت من الاستقطاب الطائفي في لبنان.

 

عجز هذه التسوية عن الإيفاء بأبسط المهمات التي طرحتها الأزمة الاقتصادية المتمادية هو الذي أطلق الانتفاضة الشعبية. فأركان التسوية تلطوا وراء شعارات من نوع الميثاقية وتولي الأقوياء في طوائفهم الرئاسات، واستعادة الحقوق المسيحية المسلوبة، والشراكة الوطنية ومحاربة الفساد… من أجل توزيع المغانم بالمشاريع التي تمولها خزينة الدولة من الاستدانة، ومن أجل تقاسم التعيينات الإدارية ومواصلة التنفيعات الزبائنية.

 

قضت التسوية بأن يحصل المقربون من “الأقوياء” على العقود، وأن تفرض “الميثاقية” تعيين الأزلام المحازبين لا الكفوئين، و”استعادة الحقوق” المسيحية وتجميد التعيينات في الفئات الدنيا للإدارة خلافاً للدستور ووضع اليد على القضاء. كما قضت “الشراكة” تعطيل مجلس الوزراء من أجل اتخاذ القرارات الاحادية الجانب ومصادرة صلاحيات الغير وتصدر المنابر بأعلى درجات الديماغوجية في تغطية ظهور الدولة اللبنانية خاضعة لسياسات داخلية وخارجية هجينة لا علاقة لها بأسس التوازنات التقليدية …

 

حتى الساعات الماضية تناولت الاتصالات التي سبقت استشارات تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة أموراً غير تلك المعروفة في العلن. وثمة اعتقاد أن أبطال التسوية الرئاسية يسعون إلى إحيائها بنسخة منقحة، مع تعديل في بعض أبطالها ممن تبوأوا القيادة فيها.

 

وإذا كان إبعاد الوزير جبران باسيل المحتم عن الساحة بات المسألة الأبرز في المرحلة المقبلة، فلأنه أكثر من استخدم التسوية هذه بمغالاة وجموح لتقديم مساوئها على حسناتها المفترضة التي زيّن بها من خاطوها، كمثل القول بأنها أنهت الفراغ الرئاسي وأعادت المؤسسات إلى العمل، فإذا بالمؤسسات تستباح.

 

وإذا كانت التسوية عام 2016 انعقدت بين سعد الحريري والرئيس ميشال عون، أي بين مكونين أساسيين في التركيبة اللبنانية فمن الخفة التجاهل بأنها كانت بجوهرها أيضاً تسوية بين الحريري و”حزب الله” الذي هو كان، وحده، سبب ومصدر قوة ترشيح عون ووصوله إلى الرئاسة، مع ما يعنيه ذلك من حسابات إقليمية.

 

هل أن تأليف الحكومة والتوازنات التي ستنعكس فيها يخضع الآن لمنطوق التسوية بين الحريري وعون أم لمنطوق التسوية بين الحريري و”حزب الله”؟

 

ما يظهر من كل المداولات التي جرت حول التكليف، والتي ستجرى حول التأليف (وبعضها جرى قبل التكليف) أنها تتم وفق منطوق التسوية بين الحريري و”الحزب”. فجموح باسيل أظهر خفة في التعاطي مع التوازنات الداخلية إلى درجة أن انتشاءه المؤذي بالسلطة، جعل تلك الخفة تتفوق على خفة حركته في أسفاره، التي حولته إلى جهة منبوذة على الصعيد الدولي ليس عند الأميركيين فحسب بل عند دول أوروبية أساسية معنية بالعمق بالوضع اللبناني.

 

وإذا كان آخر فصول الدونكيشوتية الباسيلية ما أعلنه عن عدم المشاركة في حكومة برئاسة الحريري، في وقت يشترك تياره مع الحريري في تأليف الحكومة إذا انتهت الاستشارات إلى حصول الأخير على الأكثرية، فإن جانباً من المداولات حول التأليف قد يكون كيفية التعويض لعون عن الاستغناء عن “خدمات” صهره في هذه المرحلة.

 

المشكلة الأهم في التفاوض على الحكومة (والتي قد تُفشل تأليفها) هو تجاهل الناس في الشارع من جهة، وكيفية التوفيق بين ما يطلبه “حزب الله” والأميركيون. فالشيخ نعيم قاسم (كرره النائب محمد رعد أيضا) قال: “لن نسمح للأميركيين” بأن يأخذوا مكسباً سياسياً مجانياً حتى ولو كان هذا المكسب لا يقلب المعادلة ولكنه يشكل خطوة على طريق مكتسبات حُرموا منها”. وديفيد شينكر قال: “الحكومة الاميركية تتبع قيادة الشارع اللبناني ونقبل ما يريده”.