IMLebanon

سمّ باسيل في عسل الأمن

 

الكلام الذي اطلقه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل واتهم فيه اجهزة امنية رسمية بالتغاضي عن دور لتركيا في شمال لبنان أثار الكثير من علامات الاستفهام، لأن باسيل بحكم مصاهرته لرئيس الجمهورية يطلع على الشاردة والواردة في التقارير الامنية وغير الامنية، ولأنه معروف انه لا يوفر استخدام اي وسيلة لغاياته الشخصية والسياسية.

 

فباسيل حاول ابتكار طبخة فيها قليل من الزيت التركي، حبة فتنة، رشة مزايدة على مصلحة أهالي الشمال، وبهار من الغزل تجاه دول الخليج، والكثير من السمّ مخصص لقائد الجيش جوزيف عون والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، لتصفية حسابات قديمة جديدة مع الرجلين.

 

طبخة جبران باسيل، حاول تقديمها أمس عبر مقابلته على قناة “أل بي سي آي”. فعندما سأله الزميل ألبير كوستانيان: هل تتخوف من دور تركي في لبنان؟ يجيب باسيل حرفياً، مقدماً طبقه المسموم: “هناك تمدّد تركي سياسي وأمني ومالي يحصل وانا اريد ان أنبه وأحذّر أن هناك قادة اجهزة امنية لبنانية حاليين موجودين بالجيش وقوى الأمن على علم ويسهّلون ذلك”.

 

ومن فرع إلى آخر انتقلت الطبخة ليقدمها رئيس الحكومة حسان دياب على طاولة مجلس الدفاع الأعلى، مهاجماً الأجهزة الأمنية بالقول: “إن ما يحصل في مناطق عديدة من مظاهر كالسلاح المتفلت بشكل علني وإطلاق للنار واعتداء على مؤسسات الدولة ومراكز الأمن، يوحي بأن الأمور ليست تحت السيطرة… والناس تسأل: أين الأجهزة الأمنية؟ أين القضاء؟ ما هو دورهم بفرض هيبة الدولة؟”. فما الذي يريده باسيل من طبخته؟

 

وليس دفاعاً عن تركيا التي لا تختلف أجندتها عن أجندات التدخل بالشؤون العربية، بالنسبة إلى مصدر سياسي عتيق: “هناك أسئلة كثيرة ومسؤوليات لا بد من طرحها على الطاولة لأن اللعب على الوتر الأمني لتلحين مواويل سياسية وشخصية هو امر خطير، مهما كانت المواقف تجاه الدول المستهدفة”. حاول هذا السياسي، المعروف بمعارضته المواقف التركية أن يبحث عن “التمويل التركي للبنانيين مخربين” لم يخرج إلا بنتيجة واحدة أن “ما يتم الترويج له اساسه معطيات طرحها اللواء عباس ابراهيم في إحدى جلسات مجلس الدفاع الأعلى من دون أن يقدم أي دليل على ما يقول، واستتبع ذلك تقارير اعلامية تتحدث عن الدخول التركي إلى لبنان”، من دون أن يخفي المصدر وجود جمعية تقدم المساعدات العينية للبنانيين شمالاً ولأبناء قرى أصولهم تركية”. ويواصل المصدر البحث عن أي تقرير أو تحقيق يثبت التمويل الذي يتم الحديث عنه وتطرق إليه باسيل. كما رصد خبراً، نقله وزير الداخلية محمد فهمي، لوسيلة إعلامية يكشف فيه عن أن “السلطات الأمنية اللبنانية أوقفت 4 أشخاص كانوا على متن طائرة خاصة تركية، وكانوا ينقلون بضعة ملايين من الدولارات”، فسأل المصدر: “هل المال الذي نقل من تركيا هو من الأتراك لطرف لبناني، أم كانت عملية نقل يقوم بها طرف لبناني؟”. مع العلم ان الاموال دخلت بطريقة قانونية وباسيل تحديداً يعرف ان الموضوع قيد التحقيق فلماذا لا يخرج ويسمي من هو الطرف الذي تعود له الاموال ليكون لاتهاماته مصداقية ولو لمرة واحدة. حدد باسيل في كلامه “تورّط” ثلاثة اشخاص من أصل 6 من الأجهزة الأمنية. ذكر “الجيش وقوى الأمن” ولم يحدد الشخصية الثالثة. فعدد الاجهزة الأمنية في لبنان لا يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة، فمن الثالث الذي استهدفه باسيل؟ هل هو مسؤول فرع أو شعبة؟ ويتوقف المصدر عند كلام باسيل، واضعاً أربع نقاط والعبرة في الأخيرة منها:

 

أولاً: طالما أن باسيل يتفق مع أحد الأجهزة الأمنية بوجود تمويل تركي لقيام لبنانيين بعمليات التخريب، لمَ لا يظهر أي مستند أو تحقيق أجري مع أشخاص يستلمون هذا المال أو ينفذون الأوامر التركية؟ فالشعب اللبناني العربي لن يسكت عن هكذا تصرف، وبالتالي على باسيل ان يتحمل مسؤولية اتهامه الاجهزة الأمنية بـ”التعامل مع دول خارجية”، وهذا أخطر اتهام “غير مبني على اي دليل”.

 

ثانياً: كان واضحاً أن باسيل، ككثيرين من القوى القريبة من المحور الايراني – السوري، يريد استخدام تركيا لمغازلة دول الخليج ومصر التي تخوض مواجهة مع النهج التركي القائم على تدخلات في سوريا وليبيا. وبالتالي من يغازل الخليج اليوم باستهداف تركيا، غازل ايران سابقاً لاستهداف دول الخليج.

 

ثالثاً: إن الهجوم المتواصل من باسيل ودياب تجاه الأجهزة الأمنية وتحديداً جوزيف عون وعماد عثمان، يوحي أن المقبّلات تستبق طبقاً رئيسياً عنوانه: تغيير قادة الأجهزة الأمنية واستبدالها بـ”موظفين غب الطلب”، ربما لزوم المرحلة المقبلة في لعبة باتت مكشوفة وممجوجة.

 

رابعاً: إن هجوم أرباب الحكومة بدءاً من “حزب الله” ورئاستي الجمهورية والحكومة على الاجهزة الأمنية وتشويه صورتها، هو أخطر المخططات التي يتم رسمها، بخاصة بعدما فقد المواطن ثقته بالدولة والمصارف والطبقة السياسية… وبقيت الأجهزة الأمنية بمثابة خط الدفاع الأخير عن فكرة الدولة، وإذا تم ضرب الثقة فيها فـ”وداعاً لبنان… وليس إلى اللقاء”.