بين تكرار مملِِ لخبر اجتماع “الخليلين” مع جبران باسيل، واستنتاجنا من حديث رئيس الجمهورية الى “باري ماتش” ان البلد ذو “حظ باهر” لأنه انهار في عهد ميشال عون، واندلاع اشتباك طويل عريض “أحيا” ليلة عاشورائية في خلدة بقذائف صاروخية وتحريق وحزازات صدور، لا يُلام أي ذي عقل سليم ومشاعر طبيعية لو ردَّد مع مئات آلاف المواطنين: كفى احتقاراً لنا، كفى استعادة للمسرحية الفاشلة، وكفى رقصاً على الجثث والركام وتضحية بالبلد على مذبح الهيمنة والشخصنة والارتهان.
كل خبر من الثلاثة المذكورة أعلاه كفيل بإثارة الاستياء كونه يلخص جهة من حاضر “الجمهورية الثانية” المأسوي. فمجرد لقاء ممثلَيْ “الثنائي الشيعي” الشهيرين مع صهر الرئيس لبحث الحصص الحكومية بالتوازي مع حجز “الاستشارات” نحو ثلاثة اسابيع، إنكارٌ لمعنى حادث جلل تمثل بجريمة 4 آب، وإهانة لكل لبناني انتفض ضد المنظومة الحاكمة برمتها، وعصبها الأساسي هذا التحالف الذي ولَجَ السلطة من بابها العريض وأخذ فرصته كاملة في ممارستها المباشرة أو في التحكم بها، وواجبه الأخلاقي والسياسي التنحي جانباً افساحاً في المجال لحكومة مستقلة تصلح ما تم افساده وتستعيد الثقة الدولية للجم الانهيار واعادة اعمار ما تسبب به التواطؤ أو الإهمال.
أما مقابلة الرئيس مع “باري ماتش” فتصلُح درساً في علم النفس العيادي. رئيس الجمهورية، مع الأسف، لا يزال معتقداً بقدرته الاستثنائية على الاصلاح في هزيع الثلث الأخير من الولاية العاثرة، ومتمسكاً بثوابت “تفاهم مار مخايل” وخلاصتها: “حزب الله” وسلاحه امرأة قيصر، وجبران ملاك الجمهورية الحارس يرثُ بعبدا وكرسيها، أما تدمير الأشرفية والجميزة ومار مخايل فأضرار جانبية هي حتماً أشد هولاً لو لم يكن في قمرة القيادة. وكأن ساكن بعبدا الذي أدار الأذن الصماء لهتافات شباب 17 تشرين لم يرَ في مشهد ضحايا جريمة المرفأ وأنين المكلومين ما يوجب تقديم اعتذار أو دفع أي ثمن سياسي، خصوصاً أنه علِم خطياً بالخطر المحدق بالمرفأ والمواطنين.
ثالثة الأثافي الاشتباك المذهبي. بما ان جهود “الساحر” عباس ابراهيم أثمرت لحسن الحظ وقفاً للنار وسحباً للمسلحين، فإن عدم استخلاص العبر وترجمتها فعلاً سياسياً ايجابياً يتجسد بوقف رعاية السلاح المتفلت وغير الشرعي يجعلان ولاة أمر المسلحين ومَن يبررون وجود السلاح شركاء في هذا النوع الخطير من الحوادث بكل ما يختزن من معان طائفية وغرائزية تضرب جذورها في التاريخ وقادرة على وضع البلاد كلها على كف عفريت.
هذا النوع من العقل السياسي السلطوي تسبب بإفلاس الدولة وانتهاك السيادة والقوانين ولا خلاص إلا بإحالته الى التقاعد القسري.