Site icon IMLebanon

لن يستثنيهم من جهنم وبئس المصير!

 

من سوء طالع هذا الوطن المنكوب أنه ابتلى بمجموعات من السياسيين انعدم عندها الحد الأدنى من حس المسؤولية، والشعور بالواجب الوطني، وما يتطلبه من جهود وتضحيات، ووضع مصالح البلد فوق كل اعتبار، وخاصة قبل الحسابات الأنانية والفئوية، التي تتحكم باللعبة السياسية، وأوصلت البلاد والعباد إلى هذه الإنهيارات المريعة.

 

أوضاع البلد تتدحرج بسرعة مخيفة إلى مستويات غير مسبوقة من التردي والإفلاس، وصلت إلى حد تهديد اللبنانيين بلقمة عيشهم، وبمصير عائلاتهم وأطفالهم، وضمائر المسؤولين في سبات عميق، لا توقظهم مبادرة فرنسية للإنقاذ الفوري والسريع، ولا تحرك عقولهم المتحجرة في لعبة المحاصصات، كل المناشدات الشقيقة والصديقة للإسراع في تأليف حكومة قادرة على التعاطي مع الدول المانحة، وجديرة بوضع البلد على سكة الإصلاح والإنقاذ.

 

تظاهروا بالترحيب والتأييد لجهود الرئيس الفرنسي ماكرون، ولكنهم سرعان ما قلبوا له ظهر المجن بمجرد إقلاع طائرته من مطار بيروت، وقبل أن يجف حبر خطة العمل التي أدعى ممثلو الأحزاب اللبنانية الموافقة عليها، والإلتزام ببنودها، كخريطة عمل للحكومة العتيدة.

 

لم يعد خافياً، رغم كل التكتم والغموض اللذين يحيطان بمحاولات حلحلة العقد الحكومية، أن المسألة عالقة في عنق زجاجة المحاصصات، وذهنية الهيمنة والإستئثار، وشبق التسلط والتملك، وكأن وزارات الدولة تحولت إلى أملاك خاصة لبعض الأحزاب المتسترة بالبراقع الطائفية البغيضة، حتى ولو أدى ذلك إلى إستمرار تعطيل تأليف الحكومة أشهراً طويلة، على غرار ما كان يحصل دائماً في السنوات العشر الأخيرة، حيث كانت الولادات الحكومية تستغرق ما بين ٧ و ١١ شهراً، وغالباً من أجل توزير جبران باسيل تارة، أو التمسك بوزارة الطاقة مع التيار العوني تارات أخرى، الذي إستنزف نصف المديونية العامة في الكهرباء، دون أن يحقق أي تقدم أو إنجاز فعلي في معالجة هذه الأزمة المزمنة، والتي تحولت إلى نموذج لجرائم الفساد في لبنان.

 

ولكن الفارق بين ما كان يحصل بالأمس من تعطيل متعمد لتأليف الحكومات، أن البلد كان في وضع قادر على تحمل تداعيات الفراغ الحكومي، رغم كل الصعوبات المالية والإقتصادية التي كانت تضغط على الدولة وعلى الناس. ولكن الأوضاع المتدهورة حالياً، والتي وصلت إلى حد إقتراب وقف دعم المواد الغذائية الأساسية، وإحتمال أن يقفز الدولار فوق سقف العشرة آلاف ليرة، وإرتفاع عجز الخزينة يوماً بعد يوم، وقرب إعلان الإفلاس الرسمي للدولة ولمئات من المؤسسات الخاصة، كل هذه المقدمات للإرتطام المخيف، والذي أصبح قاب قوسين أو أدنى، لم تزحزح أهل الحكم عن مواقفهم بالمحاصصات، والإستمرار في لعبة الروليت الروسية، على الحقائب والوزارات الدسمة!

 

في خضم هذا الفشل المتزايد لأهل السلطة، جاءت العقوبات الأميركية على النائب جبران باسيل، لتؤكد بأن لبنان ليس متروكاً، وأن سيف العقوبات سيلاحق الساسة الفاسدين، مهما كانت مواقعهم السياسية أو الرسمية، وأن من كان يمنّي النفس بنفوذه في البلد للحفاظ على ثرواته وإمتيازاته في السلطة، إكتشف فجأة أن لا سقف فوق رأسه يحميه من الملاحقة الدولية.

 

وعوض أن يستوعب أهل الحل والربط دروس وعبر العقوبات الجدية، والانصراف إلى التصرف بما يمليه عليهم الواجب الوطني، والشعور بالمسؤولية، في الإسراع بتأليف الحكومة، وفكفكة العقد التي حالت حتى الآن دون الولادة الحكومية، وتحصين البلد من الإهتزازات المقبلة، تراهم يمعنون في سياسة العناد والإنكار، ويذهبون أبعد من ذلك بأساليب المكابرة والإستفزاز، على نحو ما أعلن باسيل أمس من عزمه على مواجهة السياسة الأميركية في لبنان والمنطقة، مراهناً على التغيير الحاصل في الإنتخابات الرئاسية، ومتسلحاً بشعارات ومواقف شعبوية، لم تعد تنطلي على أحد.

 

البلد يتدحرج، والإرتطام المدمر في قعر جهنم بات وشيكاً، وأهل الحكم يتلهون بلعبة الحكومة والوزارات، ويجهدون على حماية مصالحهم الأنانية والفئوية، وكأن إنهيار السقف فوق رؤوس الجميع، سيستثنيهم من نيران جهنم وبئس المصير!