Site icon IMLebanon

الحكومة بين الفوضى… و”تذاكي” الحريري

 

سواء خفّف رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من وقع صدمة العقوبات الأميركية، أم تعاطى معها بكثير من الواقعية، فهذا لا يحجب واقع أنّها محطة مفصلية في مساره السياسي، حتى لو انتهى به المطاف إلى تسجيل انتصار في ملعب القضاء الأميركي من خلال اسقاط اسمه عن القائمة السوداء، فهو يعلم جيداً أنّه مسار طويل، معقد ومتعرج وقد لا يعرف خواتيمه بسهولة.

 

وقبل أن تطأ قدماه من جديد أرض الولايات المتحدة، ستكون مندرجات العقوبات، السياسية، قد فعلت فعلها في مستقبل الرجل، وتحديداً ازاء طموحه الرئاسي وبيئته السياسية الحاضنة، هذا اذا افترضنا أنّها لم تنقله من ضفة إلى ضفة أخرى بما تفرض هذه النقلة من أثمان باهظة.

 

ولكن في مطلق الأحوال، هو يقف اليوم أمام مفترق صعب، ليس بسبب العقوبات وتداعياتها فحسب، وإنما نتيجة ما ستخلّفه هذه العاصفة على العهد برمته الذي يواجه استحقاقات صعبة يفرضها الانهيار المالي والاقتصادي، ما دفع برئيس الجمهورية ميشال عون إلى التحذير بنفسه من جهنم تنتظر اللبنانيين في ما لو فشلت المبادرة الفرنسية.

 

ولأنّ العقوبات الأميركية، والمُرتقب استكمال عقدها مع ادراج عدد من المسؤولين اللبنانيين على قائمة الولايات المتحدة، هي تعبير واضح وصريح عن رغبة الإدارة الأميركية التي تستعد لتوضيب حقائبها تمهيداً لمغادرة البيت الأبيض، في توظيف المرحلة الانتقالية في مسار تصعيدي قد لا يوفّر الساحة اللبنانية من شظاياه، فإنّ القوى السياسية تتعامل مع فرضية أنّ الحكومة وضعت في ثلاجة الانتظار لأنّ احتمال تحقيق أي خرق بات مستحيلاً.

 

ولهذا يقلل المعنيون من حظوظ الموفد الفرنسي إلى بيروت باتريك دوريل وقدرته على تجاوز حقل الألغام بسلام من دون تعرّض محاولته للتفجير السريع، خصوصاً في ضوء السيناريو التشددي الذي يلصقه كثيرون، بحراك جبران باسيل بعد العقوبات. لكن الأهم هو تراجع زخم المبادرة الفرنسية بعدما فشلت باريس في حشد دول أوروبية، أو خليجية، لدعمها في مسعاها الانقاذي فيما الاتحاد الأوروبي يستعد لمواجهة الموجة الثانية من جائحة كورونا، من خلال الاستعداد لرزم تحفيزية نقدية اضافية بحيث صارت الأولوية للداخل الأوروبي لا خارجه. ما يعني أنّ وظيفة الحكومة العتيدة قد تختصر بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي، ما قد يدفع بعض القوى السياسية الى دفع الساحة اللبنانية الى هاوية الفوضى، لتحسين شروط موقعها في التركيبة المستقبيلة! وفق البعض، فإنّ رئيس “التيار الوطني الحر” يتعامل مع الحكومة على أنّها آخر أوراقه. فإمّا يدخل الحكومة بالشكل والحجم والعدد والنوعية التي تناسب حساباته، وإمّا فلتنتظر، طالما أنّ الأميركيين قرروا التصعيد والمواجهة، وطالما أنّ هذه الحكومة هي آخر حكومات عهد ميشال عون. ومن يعرف كم من الوقت ستصمد هذه الحكومة في السراي اذا دخلنا عصر الشغور الرئاسي من جديد؟

 

بنظرهم، وقع المشهد الحكومي في الفخ بعد انسداد الأفق، خصوصاً وأنّ التصعيد الأميركي قد يكون غير منضبط وغير معروف السقف والحدود مسبقاً. وبعدما قلبت العقوبات الطاولة رأساً على عقب، وتحرر باسيل من قيود التهويل بها، فقد لا يكون أمامه سوى ورقة التشدد لتحصيل أكبر قدر من المكاسب.

 

ولكن في المقابل، يرى بعض المطلعين أنّ العهد ومعه “التيار الوطني الحر” لا يملكان ترف المناورة ولا حتى التحرك بحرية. صحيح أنّ كل القوى السياسية مأزومة وقد يطيح بها الانفجار الاجتماعي وسيصعب لجمه اذا ما وقع، لكن أكثر المتضررين، باعتراف أهل البيت، هو العهد نفسه. لهذا، لن يكون تصلّب باسيل متفلتاً من أي ضوابط وقد يحتاج إلى التدخل الفرنسي أكثر من غيره لكسر حدّة المواقف والطلبات ودفع الجميع الى مساحة مشتركة، من شأنها أن تسهل ولادة الحكومة التي هي حاجة ماسة لمختلف القوى السياسية، في ضوء التحذيرات التي سبق ووجهها مصرف لبنان ازاء الاحتياطي بالعملات الأجنبية.

 

وما يرفع من منسوب هذه النظرة الايجابية هو ما يحكى سواء من جهة قصر بعبدا أو من جهة بيت الوسط، عن تمسك كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بالتفاهمات التي سبق لهما أن خاضا فيها وثبّتاها، وأبرزها يتصل بعديد الحكومة (18 وزيراً)، وبتوزيع معظم الحقائب، لتبقى مسألة آلية التسميات عالقة واسقاطها على الحقائب.

 

وفق المطلعين، لا عودة إلى الوراء، سواء من جهة عون أو من جهة الحريري، وبالتالي إنّ سياسة السقوف المرتفعة التي لجأ اليها باسيل في مؤتمره الصحافي الأخير، قد لا تعبّر عن حقيقة الواقع الحكومي، طالما أنّ رئيس الجمهورية لم يبلغ الرئيس المكلف شيئاً معاكساً، ولو أن خصوم الفريق العوني يشيرون إلى أن تجارب الحريري مع رئيس الجمهورية لطالما كانت تتسم بالايجابية والتعاون، ولكن هناك دوماً من كان يعطلها ويعرقلها. وهنا الخشية.

 

ولكن بالنسبة للعونيين، فإنّ العقدة تكمن في المكاييل المتعددة التي يستخدمها رئيس الحكومة المكلف من باب “التذاكي”، مشيرين إلى أنّه اذا كان جاداً في ما يرويه عن تفاهمات عقدها مع رئيس الجمهورية، كما تروج ماكينته الاعلامية، فليقدّم مسودته وينتظر ردّ رئيس الجمهورية، مؤكدين أنّ ما يقوم به الحريري هو من باب تصفية حسابات، ليس في وقته أبداً.