يخرج السجال على العقد أمام تأليف الحكومة بالنسبة إلى “التيار الوطني الحر” والرئيس ميشال عون عن قواعد التأليف التي كان اتفق عليها مع الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، على رغم تسليم هذا الفريق ومعه حليفه “حزب الله” بقيام حكومة مستقلين من غير الحزبيين، تدير الأزمة الاقتصادية المالية وتتصدى لجائحة كورونا وتضع البلد على خط الإصلاحات وفق خريطة الطريق الفرنسية.
يؤشر السجال إلى انفصام مرضي، في الحديث عن حصة رئيس الجمهورية بالوزراء المسيحيين وعن حقه في أن يكون له فريق وزاري يؤازره في مجلس الوزراء. مجرد طرح الفكرة ينسف قاعدة حكومة المستقلين غير الحزبيين، وحكومة “المهمة” التي لمّح جبران باسيل إلى أنها لم تعد هذه وظيفتها بذريعة أن عليها أن تتعاطى مع ترسيم الحدود البحرية والتطبيع والنازحين واللاجئين والتدقيق الجنائي والتفاوض مع صندوق النقد وأن تحضر للانتخابات…
جوهر مبادرة ماكرون يقوم على إعطاء البلد واللبنانيين “إجازة” لبضعة أشهر من لعبة تحويله حلبة للصراع على السلطة والمواقع فيها باسم الحقوق الطائفية، والكلمة لي. الهدف من حكومة المهمة إعفاء اللبنانيين من استمرار عملية استنزاف مواردهم بالمحاصصة وتقاسم المنافع واختصار حقوق الطوائف بمكاسب زعاماتها، أي المعادلة التي ترسخت منذ انتهاء الحرب الأهلية، حتى باتت الحياة السياسية مصادرة بالكامل من قبل هؤلاء في العهد الرئاسي الحالي. فالأخير جاء رجالاته للتعويض السريع، عن عدم اشتراكهم في فوائد المرحلة السابقة في السلطة وفق هذا التعريف، ولري عطشهم لجني فوائدها.
ما قصده ماكرون إعطاء فسحة زمنية لاستدراك ما تسببت به المعادلة هذه، ولأخذ وقت مستقطع من الممارسات السابقة، بتعليق التناحر الذي ساد خلالها. ما لا يقوى على استيعابه بعض الفرقاء هو القبول بالوقت المستقطع.
عقدة التأليف تكمن في استحالة تسليم فريق في السلطة بمبدأ تعليق التنافس على المواقع لفترة من الزمن، لاقتناعه بأن وجوده فيها هو لجني منافعها كل يوم وكل ساعة، فما بالك أن يأخذ إجازة 6 أو 8 أشهر من ممارسة هذه “الهواية”؟
ولو كانت الحجة القائلة بأن الرئيس المكلف سعد الحريري ليس من المستقلين حتى يشكل حكومة منهم، تستقيم، لكان الذين يعرقلون التأليف سهلوا مهمة السفير مصطفى أديب في تشكيل فريقه في أيلول الماضي.
تذرع باسيل بأن ميزان القوى لا يسمح للرئيس المكلف بأن يسمي الوزراء قد يكون الرفض الأكثر واقعية لحكومة المستقلين. وهو اعتراض ليس من قبل الفريق الرئاسي وحده، بل هو احتجاج باسمه وباسم “حزب الله”، الذي يشكل معه قيادة الأكثرية في البرلمان، التي أعطته الأرجحية في قرارات السلطة على الأصعدة كافة، الداخلية بمعناها النفعي والمصلحي، والخارجية وفقاً للخيارات التي أخذ “الحزب” البلد إليها، مع تسهيلات أكبر منذ بداية العهد.
هنا أيضاً لا مجال لوقت مستقطع بالنسبة إلى الثنائي. “الحزب” يحسن التلطي خلف تعطش الحليف للسلطة، لجني ما يجنيه ولتوظيف البلد في سياسات إيران وتحويله إحدى منصات الالتفاف على العقوبات ضدها وضد النظام السوري. وهو أيضاً لا يقبل بـ”تعليق” ميزان القوى الراجح لمصلحته حتى لو كان الأمر من أجل وقف الانهيار المتمادي في أوضاع البلد المالية والاقتصادية والاجتماعية. بل هو يراهن على تكريس تلك الأرجحية مع الإدارة الأميركية الجديدة، ويتوهم معه حليفه بذلك.