بمعزل عن حجم الإعتراض او الموافقة على مبادرة الرئيس نبيه بري، إلاّ أنّ الأكيد أنّها سمحت بإعادة خلط الأوراق، وإيجاد ما يشبه قاعدة ارتكاز، يمكن الإنطلاق منها في مساعي «التنقيب» عن مقاربة مشتركة لقواعد تشكيل الحكومة.
يعتبر المتحمسون لمبادرة بري، انّه اختار التوقيت المناسب للدخول على خط السعي الى حلحلة العِقَد الحكومية، بعد طول انتظار وترقّب، فالوقت يضيق أمام الجميع، وحريق طرابلس ارسل إشارات مقلقة، ومبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عالقة في الدوامة، والأهم انّ طرفي الازمة المباشَرين، اي الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، استنزفا كثيراً من طاقتهما وأوراقهما في معارك التفاوض والبيانات.
ولكن، ماذا عن موقف رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وهل سيجد أرنب بري الجديد «جزراً» لديه؟
يؤكّد باسيل، تبعاً لزواره، أنّه لم يكن على معرفة مسبقة بمبادرة بري، وعندما سمع بها عبر الإعلام بادر الى الاستفسار عنها من الرئيس ميشال عون و»حزب الله» والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، فقيل له إنّهم أيضاً ليسوا على علم بها.
هذا من حيث الشكل، أما في المضمون، فإنّ باسيل لا يبدي اعتراضاً على المبدأ الذي طرحه بري، والقاضي أن تختار القوى السياسية وزراء اختصاصيين، على قاعدة «لا معك ولا ضدّك».
بالنسبة إلى باسيل، «التيار الوطني الحر» كان السبّاق أساساً في تطبيق هذه المعادلة، من خلال طبيعة اختياره للوزراء المحسوبين عليه في حكومة حسان دياب، «إذ ثبت بالتجربة انّ هؤلاء الوزراء لا يتبعون للتيار ولا يتلقون التوجيهات منه، بل لهم استقلاليتهم وخصوصيتهم، كما ظهر من مواقفهم وسلوكهم منذ تعيينهم. في حين انّ القوى الأخرى هي التي اختارت وزراء ملتصقين بها، على الرغم من أنّهم مصنّفون في خانة التكنوقراط».
لا يمانع باسيل في تطبيق هذه القاعدة مجدداً مع حكومة الحريري، وبالتالي هو يرحّب باقتراح بري في هذا المجال، وتأكيده انّه سمّى أشخاصاً ليسوا معه ولا ضدّه، لكن المطلب الوحيد لباسيل، وفق زواره، ان يسمّي رئيس الجمهورية، لا الرئيس المكلّف، اسماء الوزراء الاختصاصيين المسيحيين، لأسباب ميثاقية ودستورية «تماماً كما فعل الحريري سنّياً، وبري و»حزب الله» شيعياً، والنائب السابق وليد جنبلاط درزياً، الّا اذا كان هناك من يصدّق انّ الحريري هو الذي سيختار الاسماء الشيعية والدرزية نيابة عن بري والحزب وجنبلاط».
وفي ما خصّ طرح بري الرافض امتلاك اي طرف الثلث المعطل، يجزم باسيل، بحسب الزوار، انّه لا يريد الحصول عليه، مشيراً الى انّ الغريب في هذا المجال هو انّ «الصيت لنا والفعل لغيرنا».
ومع ذلك، يتجنّب باسيل الادّعاء أنّه متعفف عن الثلث المعطل، «إذ ربما تكون هناك حاجة اليه احياناً»، لكنه مقتنع بأنّ لا ضرورة له ولا جدوى منه في حكومة اختصاصيين، يُفترض انّها ستكون بعيدة من الحسابات السياسية والحزبية، الاّ انّ المفارقة، في رأيه، هي أنّ التيار يكاد يكون الوحيد الذي يقارب مسألة تشكيل الحكومة من هذه الزاوية، بينما تتحكّم بالبعض حسابات مغايرة ونيات مضمرة.
وتبعاً لما تحويه جعبة باسيل، فقد حصلت تقاطعات بينه وبين بري على أكثر من مستوى في الملف الحكومي «وسبق له ان وافق معنا على صيغة العشرين وزيراً، كما وافقنا في أمور أخرى».
وربطاً بما طرحه الرئيس المكلّف بعد تكليفه، يشعر باسيل أنّ رئاسة الجمهورية و«التيار» يتعرّضان لمحاولات «تشاطر وبلف» تحت شعارات برّاقة، لاستدراجهما الى القبول بحكومة تنسف التوازنات وتهدر الحقوق، مشدّداً على أنّ هذه المحاولات لن تنفع.
ومن وجهة نظر باسيل، كما يعكسها الزوار، «اذا كان المطلوب منح «الثقة البرتقالية» للحكومة، فيجب أن تتشكّل على أساس المعايير الواحدة التي ننادي بها منذ اليوم الأول لتكليف الحريري. أما إذا أرادوا ان تأتي تركيبتها مغايرة لهذا المبدأ، فالتيار غير معني بالمشاركة فيها، بل سيكون سعيداً بعدم الانضمام اليها، ولو حصل ان تفاهم الحريري مع رئيس الجمهورية على صيغة لا تلبّي كل طموحاتنا، لهذا الاعتبار او ذاك، فلن نكون جزءاً من الحكومة، إنما سنسعى الى إنجاحها وسنعطيها الفرصة الضرورية لتحقيق الإنقاذ ومعالجة الملفات المتراكمة».
ويوضح باسيل، انّه لا يتدخّل في المفاوضات مع الحريري «الذي لا يوجد أي تواصل بيننا وبينه، غير اننا وضعنا تصوراً حول مقاربتنا للحكومة بناء على طلب الفرنسيين».