Site icon IMLebanon

حين تجوز الشتيمة

 

تعاود “اللفظة المسيئة” التي أطلقتها الشابة ياسمين المصري في وجه جبران باسيل بث الأمل في استعادة اللبنانيين روح الاعتراض والثورة التي خبَت بعدما أثخنتها المنظومة الفاسدة بالجراح.

 

ولا يتعلق الأمر تحديداً بياسمين ولا بباسيل، بل بما يمثله كل منهما إذ انهما يختصران الشعب المعتدى عليه التائق الى التغيير والحياة، والسلطة المعتدية المصرة على “السلبطة” على المقدرات والأرواح.

 

لا تجوز الشتيمة في الأساس. وهي في المجتمع اعتداء لفظي ومعنوي على آخر وحريته وحقه في الاحترام. لكنها حقٌ حين يكون الطرف المقابل متهماً بالارتكاب وهناك شبه إجماع على مسؤوليته وفريقه عن هدر أموال الناس وآمالهم، عبر شبكة من المصالح السياسية المافيوية التي رهنت مستقبل اللبنانيين وسيادتهم وامتهنت كراماتهم امام الصيدليات والمحطات.

 

الشتيمة جريمة حين يتاح التغيير بالأساليب الديموقراطية وحين يخضع المسؤول لإرادة الناس وتكون المحاسبة الحقيقية فيصلاً بين البراءة والاتهام، لذلك فإن الذين عابوا على ثورة 17 تشرين عدم الالتزام بـ”التهذيب” بعضهم سذج، ومعظمهم خبثاء يريدون الحفاظ على هالة أهل السلطة والسلطان فيبقون مرهوبي الجانب ممتلكين سلطة الميدان والكلام.

 

يستحق الشتيمة ولا يستحق الاحترام كل مسؤول قصَّر أو أهمل قبل أن يكون هدر وسرق وأمر بإطفاء العيون في ساحات التظاهر والاعتصام.

 

يستحق الشتيمة ولا يستحق الاحترام كل مسؤول عطَّل البلاد واستغل موقعه وأثرى هو وأبناؤه وحاشيته، وانتصر لأتباع طائفته على حساب الدستور وحسن انتظام المؤسسات وحماية المال العام.

 

يستحق الشتيمة ولا يستحق الاحترام كل من امتلك عقارات بالعشرات تتجاوز مدخوله والربح المعقول ومن ألَّف شركات لتغطية زعماء الطوائف والأحزاب وتضييع “الشنكاش” في تسجيل الممتلكات.

 

يستحق الشتيمة ولا يستحق الاحترام كل نائب شهد ما يحل باللبنانيين ولم ينطق بالحق ويرفع الصوت ويحاول وقف الانحدار، وكل وزير سكت عن التجاوزات ولو لم يلوث يديه كغيره من الوزراء.

 

يستحق الشتيمة ولا يستحق الاحترام كل رئيس لم يمارس سلطته بما يوجبه الدستور، فأفلت أعوانه يعيثون فساداً في الجمهورية نهباً وبيعاً وشراء في سيادة البلاد للحفاظ على المناصب والمكاسب.

 

يستحق الشتيمة ولا يستحق الاحترام كل قاض وضابط وموظف عمومي ارتشى او تنازل عن واجباته، وكل تاجر مارس الاحتكار ومصرفي ساهم في سرقة أموال الناس وتواطأ مع حاكم مصرف لبنان.

 

لا يغيّر اعتذار والد ياسمين من باسيل حرفاً في جوهر الموضوع ولا يعيد اليه الاعتبار. فهي مارست حقها كمواطنة راشدة ترفض رؤية احد أركان السلطة متمتعاً بما حَرم منه الآخرين. وتثير التقديرَ بساطتُها في التعبير وتجاوزها حاجز “حق” الزعيم في منطقته، و”وجوب” احترامه في عقر داره وحيث يعيش في بيئته وبين “الأهالي” الموالين.

 

ياسمين نموذج لجيل لبناني جديد تخفَّف من قيود القمع التي تدعو الى توزيع الاحترام على الطوائف والمناطق والزعماء وكأنه واجب على الجميع.

 

أسقطت ثورة شباب 17 تشرين هيبة كل أهل المنظومة فانزووا شهوراً ثم التقطوا أنفاسهم بفعل ميليشيات “الثورة المضادة”، التي حالت دون إسقاطهم وإحالتهم على القضاء… سيستمرون في فرض سلطتهم على مؤسسات الدولة ومرافقها وفي إذلال اللبنانيين حتى اشعار آخر، لكنهم، بفضل جيل ياسمين، لن يحظوا بذرة احترام إلى أبد الآبدين