على الرغم من قول الرئيس المكلف سعد الحريري إن الوقت هو للتأليف لا للاعتذار، فإن الوقائع تثبت أن تعطيل قيام الحكومة من قبل فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ما زال غالباً.
يبقي الحريري على خيار التأليف لأن رئيس البرلمان نبيه بري، والمسؤولين في باريس وموسكو والقاهرة، طلبوا منه ذلك، فيما تشجعه واشنطن على “مواصلة جهوده من أجل التأليف” بدل الاعتذار مشجعة على طرح صيغة حكومية جديدة.
إلا أن باسيل جاهر بـ”أن نقبل بخسارة الحكومة”، ليوسع بيكار حملاته بالإسم ضد بري والحريري وجعجع، وتلميحاً ضد البابا فرنسيس والقادة الروحيين، والبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الذي وصفه مع القادة المسيحيين الآخرين بـ”الساكتين” عن خوضه “معركة الوجود”. تقصّد ذلك بعد ساعتين على عظة البطريرك التي رفض فيها تبرير التعطيل بخوض معركة الصلاحيات بقوله: “نحن لا نشكو من قلة الصلاحيات، بل من قلة المسؤولية”. كما جاهر باسيل برفض مبادرة بري وصولاً إلى نفي وجودها، معتبراً أنه “غير مرغوب فيه ومنحاز ومسيء لنا”. لم يكتف بتكرار طلب التعديلات الدستورية لتقييد تكليف رئيس الحكومة المكلف، بل طالب بتعديل النظام الداخلي للبرلمان لتقييد رئيسه.
وهو التفّ بمؤتمره الصحافي على محاولات بعض رموز “التيار الحر” في اليومين الماضيين اقتراح مخارج لمسألتي تسمية الوزيرين المسيحيين، والتصويت على الثقة بالحكومة الذي يرفضه باسيل ويطرحه الحريري كأحد مبررات عدم الأخذ بمطالب الفريق الرئاسي، بأن تُترك الحرية لأعضاء “تكتل لبنان القوي” فيمتنع البعض، ويمنح البعض الآخر الثقة، ويحجبها من يريد.
بتفضيله الاستعانة بالأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله على بري الذي كان نصرالله استعان به، يدعو باسيل “الحزب” مرة أخرى إلى المفاضلة بينه وبين بري والحريري، مقدماً له وجبة مسمومة تمس العلاقات الشيعية الشيعية، بدعوته إلى الاختلاف مع رئيس البرلمان، ووصفة نموذجية لمشكلة شيعية سنية، يحاول “الحزب” تجنبها، بدعوته إلى الانحياز إلى الفريق الرئاسي، بعدما رفض جعجع شعار تحصيل حقوق المسيحيين معتبراً أنه “كذبة لتأمين مستقبل جبران السياسي”. هذا في وقت شدد النائب حسن فضل الله على ضرورة اتفاق الرئيسين لإنجاز الحكومة، مفضلاً الحياد.
فضلاً عن أن التذاكي يقفل الباب على الوساطات، فإنه يُسقط من يتوهم الحذاقة في ورطة أكبر، لأنه يبعث برسالة إلى المسيحيين بأنه يسلم أمر “وجودهم” إلى “حزب الله”، الذي يتهمه قياديون في “التيار الوطني الحر” بأنه يساهم بتردي أوضاعهم، وبرسالة أخرى إلى المجتمع الدولي فيما الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل ما زال في بيروت، بأنه يسلم أمره لـ”الحزب” بينما العين الأوروبية على دور الحزب اللبناني والإقليمي، وتزداد العقوبات عليه. ولم تكن مضت ساعات على إدراك بوريل، الذي سأل عن تفاصيل الخلاف على الحكومة فجاءه الجواب من عون أنه لا يريد الثلث المعطل لكن تسمية الوزراء المسيحيين من حقه، بأنه يريد أكثر منه.
يناقض الفريق الرئاسي نفسه، بعدما رفض عون تدخل مرجعيات في تأليف الحكومة الأربعاء الماضي، مسقطاً عن بري صفة الوسيط، فرحب أمام بوريل بأي دعم أوروبي لتشكيل الحكومة ثم استعان باسيل بنصرالله.
لا يستثني أي فريق من هجومه، ويريد الجلوس مع الجميع إلى طاولة الحوار.