كانت باريس ومعها نحو عشرين دولة بينها الأبرز عالمياً منشغلة ببحث تقديم الدعم للجيش اللبناني عندما كانت مكاتب إعلان وإعلام “المسؤولين” اللبنانيين تتبادل الإتهامات والاجتهادات والأكاذيب.
إتخذ العالم منذ سنوات جانب المؤسسة اللبنانية التي تختصر بتركيبتها وانضباطها ودورها في الماضي والحاضر الأمل بنهوض البلد وخروجه من أزماته، ومع كل وقتٍ إضافي يمر، كان هذا العالم يبتعد عن سياسيي لبنان الذين يتناوبون ويتشاركون في تركيب سلطته، الى ان قالوها في مؤتمرهم الباريسي الأخير صراحة: لا نثق بكم انتم الذين جعلتم جيشكم يطلق صرخة استغاثة من أجل دعمه مادياً ومعنوياً في العتاد وقطع الغيار والطبابة والغذاء والمحروقات…
بدأت الحركة الدولية لدعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية في مؤتمر روما الأول عام 2014. دعت المجموعة الدولية التي تشكلت في اطار الامم المتحدة بدعوة من الرئيس ميشال سليمان الى ذلك المؤتمر في ظروف التطورات الخطيرة في سوريا والعراق التي جعلت من “داعش” يقيم دولته في اراضي البلدين، ما زاد الضغوط على أمن لبنان وإقتضى دعماً دولياً لقواه الامنية. في مؤتمر روما الاول ثم الثاني (2018) شاركت السلطات السياسية اللبنانية الحكومية، لكن في المؤتمر الباريسي الثالث كان حضور السلطة السياسية شبه منعدم لولا مشاركة وزيرة الدفاع والخارجية بالتصريف والتكليف الى جانب قائد الجيش العماد جوزاف عون.
كان خطاب قائد الجيش في المؤتمر اساسياً، بعد صرخته الصريحة قبل اسابيع امام ضباط القيادة وعموم الناس، التي لم تحرك مروءة اصحاب الشروط في عملية تشكيل الحكومة. وانطلق الفرنسيون ومعهم الدول المشاركة من نقطة عدم التعويل على مروءة هؤلاء. كان الفرنسيون قد قالوا رأيهم صراحة بالسياسيين عديمي المسؤولية وهم يتأهبون مع الإتحاد الاوروبي لمعاقبتهم على مسؤوليتهم عن قيادة البلد الى الإنهيار المتعمد.
كان حرياً بسياسيي الأزمة ان يتمعنوا في تطورات الموقف الدولي الا انهم يواصلون السير في الاتجاه الخطأ. التيار العوني “الحريص على الاصلاح والحكومة وحقوق المسيحيين “، لا يتقدم نحو تسوية يطالب بها نظراؤه في السلطة، بل يواصل روايته التي تمنع الإفراج عن الحكومة، وفي آخر “تصحيح” لتفاهم مار مخايل وضع نفسه في تصرف المتعهد “حزب الله” ليحصّل له حقوقه كما قال.
في مطلع اسبوع جديد نحن أمام مشهد طريفٍ ومأسوي: العالم يضع ثقته في الجيش، والعونيون يسلمون مصيرهم صراحةً لـ”حزب الله”… والله وليّ التوفيق.