IMLebanon

رياء باسيل الحكومي ومعادلة “حزب الله”

 

 

يميل معظم الوسط السياسي إلى ترجيح مواصلة الفريق الرئاسي وحليفه “حزب الله” المناورة نفسها التي جرى اتباعها حيال الرئيس المعتذر سعد الحريري، مع الرئيس المكلف المتوقع ان يكون نجيب ميقاتي بدءاً من اليوم.

 

منذ الأسبوعين الأولين لتكليف السفير مصطفى أديب، ثم بعد تكليف الحريري طُرح السؤال الجوهري: هل أن الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل و”حزب الله” سيقبلون بحكومة اختصاصيين مستقلين وغير حزبيين يحضّرون للقرارات ويتخذونها من دون الرجوع الى مرجعية “الحزب”، لا سيما في قضايا متصلة بالعلاقة مع صندوق النقد الدولي ومع المجتمع الدولي؟

 

فالثنائي المتحالف الذي قام بتشكيل السلطة منذ 2016 وفق مقتضيات انتمائه إلى محور الممانعة اعتاد على ان يحصر القرارات المهمة به. حتى تلك المتعلقة بالمنافع والقضايا المحلية والقطاعية التي لا تؤثر بالخيارات الإقليمية ولا تتأثر بها، كان “الحزب” يبدي تساهلاً لما يريده الحليف كمقابل وجوائز ترضية للحليف، لامتثاله لمشيئته في السياسات الخارجية. بل إنها كانت غطاء مثالياً لمنطق المحاصصة الذي شارك فيه الجميع، مع تفردٍ وامتيازات لفريق عون-باسيل.

 

وإذا كان يفترض أن تتغير هذه القاعدة بعد ثورة 17 تشرين، كما توهم الراعي الفرنسي وبعض الفرقاء في مشروع إنقاذ البلد عبر حكومة “المهمة”، فإن تجربة رفض “الحزب” و”التيار الوطني الحر” فكرة تولي شخصية مستقلة تتمتع بالكفاءة العالية والسمعة الطيبة مثل سفير لبنان السابق في الأمم المتحدة والقاضي في محكمة العدل الدولية الدكتور نواف سلام، منذ طُرح اسمه في آب 2019، كان الدليل الواضح على رفض التحالف المسيطر على مقاليد السلطة تغيير نهجه. وما الحملة التي شنها “الحزب” عليه في حينها بهدف استبعاده، إلا لأنه كان أول من ابتدع شعار “النأي بالنفس”، عام 2011، حين كان يمثل لبنان في مجلس الأمن أثناء التصويت على قرار يتعلق بسوريا. اختصرت تلك العبارة، التي عبرت عن بصيرة عميقة وذكية منذ 10 سنوات، بتحييد لبنان عن صراعات المنطقة، التوجه القائل بإبعاد لبنان عن الصراعات والحروب الإقليمية، وصارت لازمة في البيانات الحكومية والدولية، ما دفع “الحزب” إلى اعتبارها “بدعة”. نقضها “الحزب” بتدخلاته الإقليمية. أما باسيل فخالفها كوزير للخارجية في تمثيله لبنان في المحافل العربية والدولية، التزاماً بإرادة “الحزب”، متسبباً بتدهور علاقاته العربية، لينال مقابلها الهدايا الداخلية من حليفه. فالنأي بالنفس كان يقتضي في الوقت نفسه سياسة داخلية توقف مبادلة الجموح نحو الهيمنة على السلطة وعلى استغلال النفوذ فيها، لتحقيق المكاسب الفئوية والمالية والمحاصصة التي غلبت لسنوات، مقابل التزام الحليف العوني سياسة “الحزب” الخارجية. وتلك السياسة اقتضت في السنة الأخيرة من الأزمة السكوت عن تشريع استنزاف ما تبقى من قدرة مالية عبر تشريع التهريب.

 

لم تتغير المعادلة مع تكليف السفير أديب، ثم مع الحريري، بعد خروجه من التسوية الرئاسية التي ظللت إمساك تحالف “الحزب” وعون بالسلطة، والذي أولويته ضمان مصالحه وتوجهاته الإقليمية، على مصالح اللبنانيين مهما تدهورت أوضاعهم المعيشية والاقتصادية.

 

وإذا كانت المناورة المكشوفة لباسيل قمة الرياء بادعائه تسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة، فإنها فقدت مفعولها منذ إطلاقها من جهة سعت على مدى السنة الماضية لتقويض مبدأ حكومة الاختصاصيين المستقلين، التي يرمز إليها سلام، بإصراره على تسمية الأحزاب لهؤلاء. وأول من لم يغشهم طرح اسمه غطاء لأهداف تتعلق بممارسة ضغوط على الرئيس المكلف من أجل انتزاع مطالب توزيرية منه، هو سلام نفسه، إضافة إلى الجمهور اللبناني العريض. فهو رفض استخدامه مطية لأغراض تعاكس الرؤية الإنقاذية التي يطرحها.

 

من المستبعد أن تتغير المعادلة في التعاطي مع تكليف ميقاتي. وإذا كان “حزب الله” يؤيد تولي الأخير المهمة فإنه في المقابل، وحتى إشعار آخر، يترك لحليفه عون – باسيل أن يطرح شروطه الحكومية ليبقى التأليف، ومعه الخطة الإنقاذية معلقين على حبال العلاقة الأميركية الإيرانية التي تزداد تعقيداً وتصعّد الضغوط عليه أكثر من السابق.