يبدو أن فريق العهد الرئاسي و”التيار الوطني الحر” اشتاقا إلى فيروس المناكفات السياسية الذي لا يستطيعان العيش من دونه ولا يشفيان منه، فعادا إلى عادتهما القديمة، تحت غطاء حكومة الاختصاصيين الذين فخّخ بعضهم لضمان تجديد منطق المحاصصة وكسب المنافع والحصة الطابشة في التعيينات، لا سيما في نواب حاكم مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة البورصة…
الجموح نفسه نحو الاستئثار والهيمنة على الإدارات باسم استعادة حقوق المسيحيين وتمثيل “الأقوى في طائفته”، يقفز فوق معايير الكفاءة والشفافية في التعيينات، التي كان يفترض بحكومة الرئيس حسان دياب أن تعتمدها، بهويتها “التكنوقراطية”، لتحل مكانها النفعية والولاء.
كان يمكن للتعيينات في المناصب المالية المهمة التي تنتظرها هيئات دولية وفق الأصول، والتي اضطرت الحكومة إلى تأجيلها نتيجة الخلاف عليها، أن تمر لو تمّ التزام آلية وعد وزير المال غازي وزني بها، تستند إلى معايير الأكفأ مع الأخذ في الاعتبار التمثيل الطائفي ومراعاة معقولة لجهات سياسية. أما أن يسعى “التيار الوطني الحر” ورئيسه جبران باسيل إلى الاستئثار بالحصة المسيحية كلها، لمصادرة التمثيل الأرثوذكسي والكاثوليكي والأرمني ويتدخل بتسمية السني أيضاً في التعيينات في المواقع المالية، معتمداً على مراعاة رئيس الحكومة وبعض الوزراء لما يريد، فإنه يسقط من الحساب أنه ليس وحده من يلعب اللعبة، على مساوئها. أمام جشع من هذا النوع يسقط مطلب الشراكة ويسود منطق تجاهل الآخرين من الفرقاء المسيحيين سواء تيار “المرده” أو حزب “القوات اللبنانية”. ولولا شبهة الاستئثار لما كان الوزير السابق سليمان فرنجية تحدث عمن يتستر بكورونا لتهريب التعيينات ويلوّح بعدم الاستمرار في الحكومة. ولما كانت كتلة “المستقبل” أدلت بدلوها رافضة “وضع اليد” على مصرف لبنان، قاصدة “التيار الحر”.
تتكرر مع حكومة “الاختصاصيين”، مظاهر التعطيل والتأخير في القرارات الحكومية، التي كانت وراء فشل حكومة الرئيس سعد الحريري، نتيجة غرقها في السجالات وتأجيل اجتماعاتها والاستحقاقات والإصلاحات الموعودة والإجراءات الاقتصادية الضرورية، جراء رغبة فريق “التيار” بإلغاء المسيحيين الآخرين.
وإذا كانت حكومة دياب جاءت على أنقاض تلك الحكومة، بناء لضغط الشارع المنتفض على تلهي الطبقة السياسية بتقاسم المنافع ومواقع النفوذ وتسببها بتفاقم الأزمة الاقتصادية المالية، فما مصلحة دياب أن يُغرق حكومته في الوحول التي انغمست بها سابقاتها، خصوصاً أنه يردد أن لولا الانتفاضة الشعبية لما كانت حكومته رأت النور؟ على دياب ألا يتفاجأ، إذا دفعت مراعاته للجموح الباسيلي قوى رئيسة إلى طرح السؤال عما إذا كان من المفيد بقاء هذه الحكومة، إذا كانت تكرر ما شاب حكومة الحريري من محاولة الفريق الرئاسي الهيمنة على قراراتها وعلى إدارات الدولة، وقاد إلى شللها واستقالة رئيسها. وهو أمر يهمس به بعض الأوساط التي تنتظر انتهاء أزمة كورونا للإجابة على السؤال.
تطبيق مقولة ما بعد انتفاضة 17 تشرين الأول ليس كما قبلها، يمر في وقت مستقطع بفعل كورونا. لكن ما يستمر في إنكاره فريق العهد هو أن المعادلة داخل الطبقة السياسية نفسها، تغيرت لغير صالحه. واعتراض الرئيس نبيه بري على “الكابيتال كونترول” ليس محصوراً بهذا الموضوع وحده، إذا كان اللبيب من الإشارة يفهم.