IMLebanon

دمج الموبقات والكرامات المسلوبة

 

 

«دمج أصوات». هذا ما أبدعه خطاب جبران باسيل الذي برر فيه التحالف مع حركة «أمل» في لوائح واحدة. نعم هذا هو النموذج المعمم الذي سيطرح على اللبنانيين في 15 أيار لاصطياد اصواتهم، او عقولهم ولا فرق.

 

قد تكون هذه الانتخابات المحطة الاكثر تظهيراً لهوية اللبنانيين الاجتماعية والطائفية والمناطقية. فما قبلها بما يتعلق بقياس أي لبنان يريدون لن يكون كما بعدها. يمكن بلا تبسيط القول إن نتائج هذه الانتخابات والأرقام والولاءات التي ستفرزها، ستحدد جميعاً صورة لبنان ومستقبله لعشرات السنوات، هي انتخابات تكريس الصورة السيئة للاستتباع الشعبي والأهلي، لأمراء المافيا الطائفية المحمية بالسلاح، أو أنها يمكن أن تقلب في مفاجأة، الصورة رأساً على عقب، فتنهي جزءاً معتبراً من هذا الاستتباع، بتوجيه ضربة على الرأس لثلاثة او أربعة من امراء الطوائف الذين والى الآن يسكنون مطمئنين، في واحة اسمها دمج الأصوات واستلاب العقول.

 

وإذا ما جاز اتخاذ التحالف بين حركة «أمل» و»التيار الوطني الحر» نموذجاً غير حصري، لشرح هذه الظاهرة التي يصعب تصديقها، يمكن العودة إلى الوراء قليلاً لإنعاش ذاكرة من سيدمجون الاصوات في اللوائح، ولا بأس أيضاً من هز الذاكرة القريبة للأصوات نفسها.

 

هذه الأصوات التي يراد لها أن تكون أرقاماً في الصناديق بلا صدى، لو تذكر أن من يخططون للدمج والمزج، سبق أن اتهموا بعضهم على المنابر بأقذع التهم واكثرها صدقاً. علي حسن خليل اتهم قصر بعبدا بقبض العمولات، وووصف جبران باسيل بالسارق، أما الأخير فوصف نبيه بري بالبلطجي، واتهم وزارة المال في عهد خليل بما يتجاوز التحليل الى امتلاك المعلومات عن وجود عمولات وسمسرات.

 

هذان يلتقيان في اكثر من دائرة انتخابية، برعاية الأخ الاكبر «حزب الله»، ويدمجان اصواتهما. الأصوات ملكية خاصة يمكن تجييرها تبادلياً بين من اتهموا بعضهم بالسارقين، وبين من سيستمرون بعد دمج الأصوات بصراع طويل مفيد للطرفين، عنوانه الاستئساد على ما تبقى من جبنة ومن المال والنفوذ.

 

بناء على كل هذه المآثر التي تنبئ باللامبالاة بالحد الادنى أزاء قدرة «الأصوات» على الاستفاقة والمحاسبة، يمضي الحلفاء المدمجون في استنزاف ما تبقى من كرامة للناخبين، الغارقين في هموم الانهيار. السيناريو الذي سيلي التجديد للثقة للحلفاء بقوة الاصوات، لن يكون مفاجئاً. بعد 15 أيار سنشهد حملات متبادلة عنوانها الاستحقاق الرئاسي وعمل مجلس النواب وقوانينه في الأدراج، فالصراع المقبل سيكون بين باسيل الذي سيطلب من «حزب الله» دمج الاصوات في مجلس النواب، كي ينتقل الى بعبدا، وبين بري الذي سيعارض الدمج في المجلس، وفق قاعدة «تنذكر وما تنعاد»، وهنا وجب منذ الآن قراءة موقف الاخ الاكبر وحساباته التي تتلاءم أولاً مع وضعية ايران في المنطقة، قبل وبعد الاتفاق المجمد توقيعه في فيينا.

 

وإذا كانت فلسفة دمج الأصوات هي الترجمة الحقيقية لقانون 2018 الذي أقفل الباب على حصول التغيير الحقيقي، والذي أبّد تحالف أركان المنظومة المحمية من «حزب الله»، فإن النتائج الكارثية مرشحة للتوالد على مدى السنوات الاربع المقبلة تماماً كما في الولاية المنتهية للمجلس الحالي المراد تجديده دون عناء.

 

كانت التسوية الرئاسية عنواناً لتكريس هيمنة المنظومة وراعيها، ومن نتائجها الخطيرة قانون الانتخاب الحالي، ولم تعد تُجدي استفاقة من كان يفترض بهم ألّا يمرِّروا هذا القانون، الذي هو قانون التجديد الدائم لشرعية المنظومة وبالتالي لشرعية «حزب الله» واكثريته المتوقعة. لقد كان «دمج الأصوات» أحد النتائج السيئة للقانون الذي سمي بالتسوية، لكنه ليس الوحيد، فالدمج كان وسيبقى عنواناً لتفاهم أركان يشبهون زملاءهم في فيلم العراب، متى جلسوا الى الطاولة في جلسة مكاشفة فهم قادرون على دمج الموبقات، في تقاسم ما تبقى من الدولة حتى آخر صوت.