وحدها اليوم المستجدات الاقليمية المهمة تستطيع تبديل قرار «حزب الله» بشأن حكومة حسان دياب الباقية (بالثلاثة) بحسب رسائل أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله الذي تولى تمريرها شخصياً على المنابر، في مناسبات عدة وفي لهجة صارمة، وعاد ليذكّر بها أخيراً عبر نائبه الشيخ نعيم قاسم، حين قال عبر مقابلة خاصة بما معناه «انّ حكومة حسان دياب باقية لأنّ البديل غير متوفر، ولأننا قد لا نكون قادرين على إعادة تشكيل حكومة جديدة في حال استقالت حكومة دياب، أقلّه في المرحلة الحالية». فيما لمّح مقرّبون من الحزب بأنّ الحكومة الحالية باقية حتى نهاية العهد… فهل تصدق تلك التلميحات أم ستفرض مستجدات داخلية وإقليمية متسارعة إعادة النظر في قرار الحزب؟
ثلاثة احتمالات يتم التداول بها ترجّح استقالة الحكومة، وأبرز أسبابها:
1 – ضغط الشارع والتدهور الحاد للحالة المعيشية التي أصابت الطبقة الوسطى وقضَت بالكامل على الطبقة الفقيرة، بما فيها الشريحة الأكبر للطائفة الشيعية التي غَدت معنيّة بحالات الفقر مثلها مثل كافة الطوائف اللبنانية، لا سيما بعد توّقف ضَخ العملة الخضراء رواتباً للمناصرين.
2 – الضغط الخارجي المتمثّل بالحصار الاقتصادي والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على ايران للضغط عليها ودفعها الى تقديم المزيد من التنازلات أو جَرّها « فقيرة « الى المفاوضات.
وبحسب مصادر ديبلومسية مطّلعة فإنّ ايران لن تتوانى عن إشراك «حزب الله» عبر تقليص دوره في المنطقة لقاء تخفيف الخناق على الداخل الإيراني الذي يشكّل أولوية بالنسبة إليها، مضيفة: «ليس تحرير مبلغ المليار و600 مليون دولار المجمّد من حساب دولة إيران في محاكم اللوكسمبورغ، سوى إشارة أميركية إيجابية تُعلم بها ايران بأنها على استعداد لتَرخية الخناق الإقتصادي عن رقبتها في حال رضَخت لمطالب المجتمع الدولي لتمرير الخطة المرسومة للشرق الأوسط ومستلزمات صفقة القرن.
وأضاف المصدر «كما لا يمكن تجاهل مرور حاملات النفط الايرانية الى فنزويلا بعد سماح الولايات المتحدة لتلك الحاملات بالمرور أو بالأحرى من خلال غَض النظر عنها، في المقابل قبضت أميركا الثمن من إيران من خلال تعيين رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي المقرّب من الولايات المتحدة.
3 – الضغط الداخلي: داخليّاً، قد يستشرف «حزب الله»، من خلال قراءة تلك التنازلات المتبادلة بين ايران وأميركا، احتمال تقديم تنازلات مماثلة في الساحة اللبنانية، وقد تبدأ تلك التنازلات بالحكومة ولا يُعلم أين تنتهي، علماً انّ الحكومة الحالية تشكّلت من دون مباركة أميركية، وقد أعلنها وزير خارجية أميركا مايك بومبيو بالمباشر حين عَرّف عن حكومة دياب بأنها حكومة «حزب الله»، ولاقَته أيضاً السفيرة الاميركية دوروثي شيّا بخطابها التصعيدي أخيراً الذي أثار بلبلة داخلية وخارجية حين أكدت أنّ بلادها لن تتعامل مع حكومة حسان دياب التي يسيطر عليها الحزب الحاكم أي «حزب الله»، كاشفة عن أنّ بلادها ستتعامل مع حكومة إصلاحية لا يسيطر عليها الحزب.
اليوم، قد يجد الحزب نفسه مُحرجاً داخلياً وخارجياً وحتى «إيرانياً» إذا ما صدقت التلميحات واذا ما اشتد خناق العقوبات عليها، لا سيما الخناق الإقتصادي. وقد يلجأ الحزب الى خيار التَموضع خارج الحكومة وليس معارضتها بالكامل لأنه يعلم انه باق في السلطة عملياً وإن لم يكن ظاهريّاً، وقد يستجيب لتسوية داخلية بحجّة قراره حماية لبنان من عدم الإنهيار المالي بعد اشتراط الولايات المتحدة والدول العربية خروجه من الحكومة لتقديم مساهماتهم المالية، مُتجنّباً الاعتراف بالضغط الإيراني ربما على قراره.
في المقابل قد تطمئنه التسوية الداخلية الى عدم النقاش في سلاحه في المرحلة الراهنة أقلّه، لأنّ السلاح اليوم ليس أولوية.
وقد يشجّع الحزب عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، وهو الذي تمسّك بخيار رئاسته الحكومة حتى اللحظة الأخيرة وما زال خياره قائماً، لا سيّما بعدما أثبت الشارع السني أنّ ولاءه الشعبي الطاغي حريريّ الهوى.
إلّا أنّ المعضلة العَصيّة عن الحل تمثّلت في شروط الحريري الواضحة والحازمة والتي لم يتراجع عنها حتى اللحظة، فهو لن يقبل فقط بانسحاب الحزب من الحكومة بل أعلنَ صراحة بأنه لن يترأس حكومة يشارك فيها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل حتى يستطيع العمل واتخاذ القرارات بحسب تصريحاته أخيراً… ليطرح السوال الأهم: هل سيتمكن الحزب، في حال اقتنع بوجوب مغادرة الحكومة والإنتقال الى ضفّة المعارضة، من إقناع باسيل بالخروج معه وعدم المشاركة في الحكومة الجديدة؟ والأصَح هل «يَمون» الحزب اليوم على باسيل أم أنّ للأخير حسابات أخرى بعدما مَرّر رسائل متقدّمة ومعبّرة في مؤتمره الأخير، وخصوصاً أنّ أوساط المقرّبين من باسيل يرددون بأنّ الحزب لم يُسلّفهم مواقف متقدمة حتى اللحظة، لا سيما في قضايا مكافحة الفساد، بل وقفَ على الحياد في وقت سَلّف باسيل الحزب الكثير وقد يدفع ثمن هذه «السلفة» عقوبات طارئة وفجائية لن يستطيع مواجهتها.
وفي الخلاصة، هل سيتمكن الحزب أن يطلب من باسيل التنحّي مجدداً أم سيثبت الأخير على قراره القديم الجديد، وفق قاعدة «سويّاً خرجنا… سويّاً نعود أو …لا نعود»؟.