Site icon IMLebanon

الملحمة مستمرّة

 

لم يستفزني لجوء ولي “العهد القوي”جبران باسيل إلى مفردات “لحّام” بلدي تلطّخت ثيابه بدم تيس بريء، كما لم يغضبني رد تيار المستقبل على باسيل المكتوب بسكّين قصّاب. السبب: اشتقت، كما الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، إلى زمن المفرومة والكفتة واللحم بعجين، إشتقت إلى طبلية قصبة نيّة وفتيلة وتابلة مع كأس عرق، إلى شرحة كستلاتة بعظمها، إلى لسانات محضّرة على طريقة الشيف أونطوان، إلى منقل يعربد فيه الجمر مرتين في الأسبوع.إشتقت إلى رؤية جزار راكع فوق ثور حرون وبيده سكين في حده الحد بين أحلام ثور وبين سلخ جلده وسط فرحة الجمهور، إشتقت إلى عالم الكوتليت والـ faux – filet، وقد وعدت صغيرتي أن أصطحبها هذا الأسبوع إلى ملحمة العوائل كي نأخذ صورة أمام “الدبايح” وننشرها على إنستاغرام.

 

إشتقت إلى أكلة فوارغ ومقادم، إلى ضلع خنزير محشي، إشتقت كـ “شيف” إلى إعداد كارباتشيو، وإلى تنظيم ورعاية مهرجان شواء تصل رائحته من وسط البترون إلى النبطيه الفوقا.

 

فكيف لي وأنا في هذا الوضع النفسي الإعتراض على “الذبح” و”النحر” ووصف المواقع الوطنية بالمسالخ؟. جل اللبنانيين يتمنون السكن إلى جوار مسلخ، وإن قدّر لمن منّ عليه مصرفه بـ400 دولار كاش بحسب التعميم 158 أن يختار “الشقة” الشهية من مسلخ جنب البيت.

 

حرّك فيي السجال النوعي بين التيار البرتقالي والتيار الأزرق لواعج طفولتي بين سوق اللحامين وسوق السمك وسوق المنجدين المعطوفة على ذكرى التهامي أول مقلاة بيض غنم وأول مقلاة بيض بقورما، كما استعدت لحظات لا تنتسى مع أطفالي الثلاثة. كم نيمتهم على “مذبحة” طير الحمام بصوتي لا بصوت إيقونة الفن السيدة فيروز. وفي شبابي نميت ذوقي الأدبي على “تغريبة بني هلال” و”سيرة سيف بن ذي يزن” وملحمة “عنترة أبو الفوارس” وما حسبتني ألتقي يوماً في هذا الزمن بعنترة بن باسيل البتروني، أنا من عاصر ملاحم الجنرال ميشال عون البطولية، تلك التي تُدرس اليوم في معهد سان سير وجامعة جيش التحرير الوطني الصيني. والملحمة مستمرّة.

 

ما من داعٍ لاستنكار تخاطب موقعين سياسيين كما يتخاطب نقيب القصابين ورئيس مصلحة المسالخ. عدا عن ذلك من منّا لا تتحرك مشاعره الرقيقة إن سمع هذا الحوار الدموي:

 

“دبحني حبّك يا فارس من الوريـد إلى الوريد ”

 

-” دبحوني عيونِك السود يا نجود”

 

“قلبي انسلخ يا فارس لحظة غبت في البيداء واخترق جسمك سهم قناص أحول”

 

-آهٍ ثم آه يا نجود. لقد عدت إليك سالماً وسأنحر عشر ناقات وعشرة عجول إن وافق أبوكي شيخ القبيلة على زواجي بك.