لا شيء سيتغير. لا لزوم لذلك على ما يبدو. والإطلالات لن تشيل الزير من البئر، ومن يتوقع حسماً وحلولاً سحرية ليس خبيراً بالبئر وغطائه.
ببساطة لأن كل ما يحصل يخدم الهدف المرسوم من الإنهيارات المتلاحقة اقتصادياً واجتماعياً بغية صون جبهة التحكم بلبنان واللبنانيين سياسياً.
المطلوب أن نبقى على ما نحن فيه، حتى يُتخذ القرار بما ستؤول إليه مصائرنا وفق مصالحهم. والوقت لا يزال يخدم المحور المتحكم بالسيادة والمسار والمصير.
وكحلم إبليس في الجنة سيبقى حلم من يظن بأن الحزب لن يترك الصهر الغالي من دون مساءلة على مستوى ما استجد من تجاوز للخطوط الحمر وتشاطر وتطاول وهتك محرمات.
لعل العكس هو المرتقب. فلا معجزات لمن يعيش في رحم المعجزة اللبنانية، حيث تحتكر المنظومة الممعنة في إبادتنا المعارضة كما الموالاة. وليس مهماً من تعارض أو من توالي. فتلك طلاسم لن يحل ألغازها الا الراسخون في علم الخزعبلات.
لذا، ليس على المتربصين العاجزين أن ينتظروا ردود الفعل التأديبية ليفرحوا ويشمتوا. فالامور لا تسير على هذا النحو. والصديق سيبقى صديقاً فلا يكسر الجرة مع أي كان، ولا دعوة إلى حفلة تبويس لحى. فتلك الحقبة أصبحت من الماضي. لتأخذ اللعبة مجراها حتى أقصى مداركها، ما دام الربح منوطاً بطرف واحد لا غير.
المهم أن يبقى “العهد القوي” متوهماً أنه في أوج قوته. وذلك لأن هناك من يسمح له بالعزف منفرداً على أوتار عذابات الناس. يستدعي من يشاء ويرغم السلطة الثالثة المستقيلة على التوقيع عندما يشاء. يختصر إدارة الأزمات بشخصه الكريم. ولم لا؟؟ فهو المنقذ من الضلال، ويطل كعنترة ممتطياً “الأبجر” وملوحاً بسيفه، كلما غزت أزمة واستفحلت. حينها يعمم أنه اتصل بالمعنيين وحثهم على معالجة الغرغرينا بمزيل للرائحة.
بالتالي، لا لزوم لحكومة وجلسات لمجلس الوزراء من أجل إدارة البلاد. وبعد حين لا لزوم لمجلس نواب وتشريع. هيئة موظفين ومستشارين تكفي لتلقي الأوامر والتنفيذ.
هكذا يجب أن تحصل الأمور. استدعاء واجتماع واتصال، وتوقيع مرفوض نهاراً ومقبول ليلاً يحل برداً وسلاماً على المحتكرين والمتاجرين بالامن الغذائي والاجتماعي حتى آخر فلس من احتياطات الودائع المصرفية في البنك المركزي.
أما التداعيات المستجدة جراء تأجيج الفوضى النقدية والمضاربات على سعر الليرة التي انحدرت إلى قعر جديد قرب عتبة 16 ألف ليرة لكل دولار، فهذه تفاصيل تافهة يستغلها بعض الزعران ممن يفهمون الإشارة ليقطعوا طرقاً بعينها في مزيد من الضغط بغية الحصول على التوقيع المطلوب.
وليس مهماً سعر الصرف الرسمي ما دام سعر الصرف غير الصحي يحلّق كما يطيب لمصاصي دماء الشعب.
أما الباقي، فتوزيع الأدوار يكشف المستور. والأمور تحت السيطرة. خيوطها ممسوكة بين وحدة الارتباط والتنسيق والمعاون السياسي للقيام بالواجب. ولا لزوم للتضخيم والتأزيم. كلٌ يعرف حجمه.
كذلك لا لزوم لتتبع العلاقة داخل الثنائية. فهي بألف خير والمسألة مضبوطة.
ويتعب نفسه هباءً من يتحول إلى ملكي أكثر من الملك. تكفي متابعة خط سير مواسم التشبيح المنتعشة على محطات الوقود، بالتوازي مع التهريب المنظم والممنهج عبر الحدود، ليتبين أن لعبة الأحجام تحافظ على توازناتها.
المعادلة واضحة بين بلطجة الغالونات وبلطجة الصهاريج وبلطجة التعطيل والاعتداء على الدستور.
طوني فرنسيس
الجميع يعرف… كما لودريان وبلينكن
بلينكن ولودريان قالا إنهما يعرفان الوضع اللبناني جيداً، ويعرفان المسؤولين عن تعطيل الحياة السياسية الطبيعية والتسبب بتفاقم الأزمة المعيشية.
بلينكن ولودريان وهما يمثلان دولتين ترتبطان بلبنان سياسياً واجتماعياً وثقافياً قررا مواصلة التنسيق في شأن هذا البلد، والتنسيق في المرحلة الراهنة يعني نقل الموافقة الاميركية على المبادرة الفرنسية الى مرحلة أعلى. فالموافقة لن تكفي اذا لم يتم الإنخراط الأميركي، وحتى ذلك الحين الأولوية الأميركية في مكان آخر.
بلينكن ولودريان لا يعرفان أكثر مما يعرفه اللبنانيون عموماً.
اللبنانيون يعرفون المتسببين بأزمتهم ويعيشون نوازلها. لكنهم عاجزون عن المحاسبة.
احتجاجاتهــم يتم صدها، ووحدتهم التي هي سلاحهم الوحيد جرى ويجري تفتيتها على يد الزعماء المسؤولين انفسهم وبسلاحها الأقوى: الإثارة الطائفية والمذهبية. وعند هذا الحد يتحول الجوع العام الى قضية شخصية وفقدان البنزين الى سباق لأخذ الموقع الأول في الطابور وتأمين الدواء الى شطارة في ترتيبه من تركيا.
معرفة الوزيرين الأميركي والفرنسي في شؤون لبنان تكاد تتساوى مع معرفة اللبنانيين بشؤونهم، ونتيجة ذلك لا شيء في المدى المنظور. مزيدٌ من ترقيع الانهيار ومزيد من رقص “الزعماء” على صفيحٍ ساخن.
يحصل ذلك لأن اولوية الجميع في مكان آخر. الأميركيون يجعلون من الجولة السابعة لمفاوضات فيينا محطةً حاسمة، والفرنسيون ينتظرون اعادة فتح الاسواق الايرانية، والفريق المحلي المسيطر على الحياة السياسية وموتها، يرهن البلاد بشحمها ولحمها لمصلحة المفاوض الايراني.
ولن يحصل ما يغيّر الصورة.
لا وساطة بري ولا الاستعانة بصديقه لتحصيل الحقوق. فالبلد لم يتم تخريبه فقط، بل تم بيعهُ، واسترداده يحتاج الى مقاربات أكثر إبداعاً.