المقابلة التي ظهر فيها رئيس التيّار الوطني الحـرّ جبران باسيل على شاشة تلفزيون الجديد أمس الأول:
لفتَـتْني، ولم تفاجئْني…
لن أتناول بالتفصيل ما جاء فيها من التخيُّلِ والتحليل في محاولةٍ لرشوةِ التاريخ..
بـلْ، أتوقف عند عبارةٍ طالما ألمحتُ إليها غير مـرّة في غير مقال، حيث رئيس التيّار قال:
«أنا إبـن بيئـةٍ مسيحية، لا أقول إنني قريبٌ من حـزب اللـه إيديولوجياً وفكريّاً وعقائدياً…»
هذا يعني، أنَّ البيئة المسيحية – بيئـة رئيس التيار – لا تتقارب مع المسلّمات الإستراتيجية العقائدية والفكرية مع حـزب اللـه.
والتقارب في المصطلح الفلسفي هو الإلتقاء في نقطة واحدة ، وهو الإتفاق والإتحاد حول الآراء والميول والأهداف والأعمال.
وهذا يعني: أنّ اللاّتقارب يساوي التناقض.
قلناها… ونحن نعرف جيداً، كما يعرف النائب جبران: أنَّ بيئـة التيار انطلقتْ من شُتاتِ القاعدة الشعبية للكتائب والقوّات، بكلِّ ما يخالجها من أحاسيس في الشأن الوطني والسياسي، وما تـراهُ في البُعْـد الحضاري والتاريخي لحقيقة جوهر لبنان.
هذا، في الشأن العقائدي والإستراتيجي.
أمّا على الصعيد السياسي، فماذا عن برنامج التيار الوطني الحـر، وهذا هو بعضٌ مما أعلنه في ورقـة أولوياته:
– إقـرار اللاّمركزية الإدارية والمالية الموسعة.
– إلغاء الطائفية وإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية وصولاً إلى الدولة المدنية.
– قانون عصري للأحزاب يفرض التنوّع الطائفي ويحـدّد كيفيّة تمويلها.
– رفض تكريس أيّ موقع لأي طائفة في المناصب الوزارية.
– تحييـد لبنان عن النزاعات التي لا مصلحة لـه فيها.
ويطرح نفسَه السؤال: هل أولويات حـزب اللـه تتوافق مع التيار الوطني الحـرّ في أولوياته…؟
ما يبدو على المسرح السياسي من بديهيات: أنَّ هذا التوافق المرتعش بين التيار وحـزب اللـه، إنما يقوم على تبادل المصالح عبر محطّات زمنية كانت مفاعيلها مؤاتية للفريقين.
من طبيعة نهـج الحزب أن يكون لَـهُ حليفٌ مسيحي وتحديداً ماروني لاعتبارات شتّى، وهو يدرك جيداً أنّ الإنزلاقات والرمايات الطائشة التي مارستها السياسة العونية قد انعكست شظاياها على الحزب فاحتواها على مضض، بالنظر إلى الفوارق التي تنأى بـه عن الثنائي الماروني الآخر.
وأمّـا التيار العوني، فقد حقّـق بفضل عـون حزب اللـه طموحاته القصوى رئاسياً وانتخابياً وسلطوياً، وهو يستند إلى ما يتمّيز بـه الحـزب من عقـل سياسي متفوّق، وحجم عسكري متفوق، وحجم شعبي متفوق.
ويدرك حـزب اللـه في المقابل أنّ العلاقة التي تقوم على تبادل المصالح، إنما هي علاقة مرحلية، غالباً ما تتقاطع مع الدول المتنازعة، فيما الروابط الوطنية تستهدف التفاعل والتكامل لتحقيق مصلحة الشعب والوطن.
وفي ظنّـي أن حـزب اللـه سيوسّع شبكة تقارباته في المرحلة الآتية متخطياً علاقته الحصرية بالتيار العوني التي تستدرج لـه مخاصمة الأفرقاء الآخرين.
أما بعد، ونحن على أبواب استحقاق رئاسي مصيري، فلا يزال يحضرُني موقفٌ للسيد حسن قبيل ترشيح العماد ميشال عـون للرئاسة، حيث قال:
«يجب أنْ نسعى جميعاً إلى تفاهم حقيقي للوصول إلى رئيس لا يشعر أحـدٌ معـه أنـه انكسر».
ومع ما نعانيه اليوم من أخطار الإنكسار، لا إخال السيد يترك الأشباح ساكنةً في كهوف الجحيم.