IMLebanon

“القوات” لن تقع في فخ “المغامرات العونية” الجديدة

 

يستخدم رئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل حادثة الكحّالة ليبرّر تفاوضه مع «حزب الله» ومحاولة إيهام جمهوره أنه يُطفئ الفتنة بعد أشهر من التحريض بين «التيار» و»حزب الله» وحركة «أمل»، بينما لا يبالي أهالي الكحّالة أو القوى السيادية بحوار «التيار» و»الحزب»، لأنّ المعركة في مكان آخر، وهذا ما عكسه بيان المعارضة العالي اللهجة أمس.

 

أكّد النائب الراحل ميشال المرّ في إحدى إطلالاته التلفزيونية التي سبقت إنتخابات 2009 النيابية، حصول اتفاق بين رئيس الحكومة الإنتقالية آنذاك العماد ميشال عون والسوريين مطلع 1989 يقضي باستكمال عون ما بدأه منذ تسلمه الحكومة الانتقالية بضرب «القوات اللبنانية» والقضاء على بنيتها العسكرية وحضورها السياسي، وفجأة إستفاق الشعب اللبناني في 14 آذار 1989 على عون يعلن «حرب التحرير» على السوريين، مهدداً بـ»تكسير» رأس حافظ الأسد.

 

لم يكن الجيش اللبناني بقيادة عون حاضراً لتلك المعركة، فمنذ العام 1973 تراجع دوره وحضوره وشقت الحرب الأهلية صفوفه وانحصر وجوده في المناطق الشرقية المحرّرة. ويُجمع من تابع تلك المرحلة على أنه لولا الدعم العسكري من «القوات» للجيش وفتح مخازن ذخيرتها له لسقطت المناطق الشرقية ودُمّر الجيش، وبالتالي ذهب عون إلى مواجهة من دون جهوزية وغير محسوبة النتائج أدّت إلى تدمير المناطق الشرقية وأتبعها بـ «حرب الإلغاء» التي شنّها على «القوات» و»كسرت ظهر» المجتمع المسيحي.

 

ويعود بعض العونيين الغاضبين من «حزب الله» وبعض السياديين إلى النغمة ذاتها، خصوصاً بعد حادثة الكحّالة، ويدعون المسيحيين وعلى رأسهم «القوات»، إلى فتح معركة مع «حزب الله» لكسر هيمنته ونفوذه.

 

يكتشف من يراقب مجرى الأمور الفرق الجوهري بين خلاف «القوات» مع «حزب الله» وخلاف «التيار الوطني» معه، فمشكلة «القوات» سيادية، أما حرب باسيل فسلطوية.

 

ومن جهة ثانية، برز تهديد عوني مبطّن لـ»الحزب»، مفاده «إذا لم تعطونا ما نريد في الحوار فسيعود سيناريو الطيونة وعين الرمانة والكحّالة»، وللمفارقة، يُهدّد باسيل بعضلات «القوات» وبعض المسيحيين.

 

رفع تحريض باسيل على «حزب الله» منذ تبنّي مسألة إنتخاب رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية منسوب الإحتقان بين المسيحيين والشيعة، فمشكلته ليست سيطرة «الحزب» على الدولة وخطف قرارها الإستراتيجي، ولا سيما قرار السلم والحرب واستعمال سلاحه في الداخل، بل الخلل الذي حصل في «اتفاق مار مخايل»، أي تغطية «التيار» لـ»الحزب» مقابل منح السلطة الكاملة للعونيين.

 

وفي السياق، لن تنجرّ «القوات» إلى لعبة العونيين السلطوية والى صدام الشارع أيضاً للأسباب الآتية:

 

أولاً- رهان «القوات» هو على الدولة، فطالما الجيش والقوى الأمنية موجودة فلا داعي للتسلح، وأظهرت الوقائع دفاع أهالي عين الرمانة عن منطقتهم، لكن الجيش قام بدوره، وعلى رغم تأخّر تدخّل الجيش في الكحالة، لكنه قام بالواجب.

 

ثانياً- كان الخطأ في 7 أيار حسب «القوات» هو الذهاب إلى تسوية تمنح «حزب الله» ما يريد، فليس بإمكان حزب طائفي الدخول إلى مناطق طوائف أخرى وحكم بلد مثل لبنان، فالتحدي بالنسبة الى»القوات» هو منع «الحزب» من صرف فائض قوته في السياسة، فأحداث الكحالة والقرنة السوداء وعين ابل يجب أن تكون عبرة لـ»حزب الله»، لأن الناس عندما تشعر بالخطر تزيل الإنتماء الحزبي وتذهب إلى المناطقي العنفواني وتقف سداً منيعاً في وجه أي كان، فكيف الحال بالنسبة إلى «الحزب»؟

 

ثالثاً- الدخول في صدامات داخلية قد توصل إلى حرب أهلية من دون أفق، وهذا الأمر مرفوض، خصوصاً أن المكوّن المسيحي سيتأذى بشكل كبير، فمشهد ما بين 1986 و1988 الإنمائي يتكّرر وسط ما تشهده المناطق المسيحية من صيف سياحي بامتياز، بينما سياسة عون وحروبه غير المدروسة دمّرت تلك المنطقة.

 

رابعاً- المواجهة القواتية مع «حزب الله» تحصل تحت الإطار السيادي وهي من تقود بوصلتها، وهناك وعي كامل لمغامرات باسيل وأهدافه.

 

خامساً- إدراك «القوات» أنه عندما تقع مواجهة في الشارع سيقع الحمل عليها، فـ»التيار الوطني» سيختفي ويستعمل المواجهات للتفاوض مع «الحزب»، وربما مهاجمة «القوات»، مثلما حصل في الطيونة وعين الرمانة، وحتى الشخصيات السيادية والمناطقية التي تزايد على «القوات» قد يقتصر حضورها في مثل هكذا أحداث على إصدار البيانات.

 

سادساً- تعمل «القوات» على تأمين صمود المجتمع المسيحي ليشكّل رافعة للمواجهة الوطنية مع مشروع «الدويلة»، لذلك ترفض الدخول في أي مواجهة غير محسوبة النتائج، وسط الإيمان بمنطق الدولة، فبالنسبة لها، المواجهة الآن سياسية وإقتصادية وليست عسكرية وتقضي بعدم صرف «حزب الله» تهديده في السياسة وتقديم تنازلات، وعندما تُفرض مواجهة عسكرية وتتأخر الدولة فلكل حادث حديث.

 

يُلقى حمل ثقيل على أكتاف «القوات»، لذلك تحاول إدارة المواجهة بأكبر قدر من الحكمة وبحزم لأن الخصم لا يرحم، فعندما يعتدي، مثلما حصل في حادثة الكحالة، يحاول إظهار نفسه بمظهر المعتدى عليه والضحية، بينما الأولوية القواتية في الوقت الحالي لـ»شدشدة» البيئة الحاضنة لـ»القوات» والخطّ السيادي، فالحرب هي إستكمال للسياسة إنما بشكل آخر، وأي حرب بلا رؤية أو أهداف هي الدمار بحدّ ذاته وهذا لن تسمح به «القوات».